مقالات
أخر الأخبار

الحكومة المقبلة بين التحديات والفرص

كتب محمد حسن الساعدي: مع انتهاء الاستحقاق الانتخابي الذي تكلل بالنجاح الملفت ونسبة مشاركة بلغت 56.11 بالمئة، تبدأ مرحلة جديدة من مراحل بناء الدولة العراقية وتطوراً آخر يضاف إلى مراحل تشكيل العملية السياسية في البلاد، ما يتطلب أن تكون هناك بادرة للبرلمان المقبل في السعي والإسراع في تشكيل حكومة منتخبة تكون قادرة على تحويل النصر المتحقق في الانتخابات من الوعود إلى الأفعال ومن الخطاب السياسي إلى الإنجاز الواقعي.

فإن نجاح الحكومة لا يقاس فقط بعدد المقاعد التي حصلت عليها ولا بحجم التمثيل في مقاعد البرلمان، بل بقدرتها على الإدارة بكفاءة عالية وتحقيق متطلبات وطموحات المواطن، الذي قدم ما عليه من واجب أخلاقي ووطني، بالذهاب إلى الانتخابات والتعبير عن رأيه من خلال صناديق الاقتراع، ما يعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد، ويتيح الفرصة لممثلي الشعب أن يمارسوا دورهم التشريعي والرقابي للحكومة المنتخبة.

إن من أهم المقومات الجوهرية لنجاح الحكومة المقبلة، هو الاستناد على الشرعية الجماهيرية والشعبية، فأي حكومة تتشكل في عمقها على البرلمان والذي يمثل صوت الشعب، فلا يكفي الفوز بعد الانتخابات، بل ينبغي احترام إرادة الناخب عبر تنفيذ البرامج التي وعدوا الناس بها، وأن يكونوا بتماس مباشر معهم، وإدامة هذا التواصل مع هؤلاء “الناخبين”، كما هو الحال بالنسبة للبرلمان الذي يعول عليه اختيار وزراء يتمتعون بالخبرة والنزاهة بعيداً عن المحاصصة الحزبية والطائفية، وهذا ما يعزز ثقة المواطن بالعملية السياسية والحكومة وتضمن أداء فاعلاً.

وبالتالي يوسع دائرة الاستقرار السياسي الذي يبنى بالأساس على تحالفات سياسية قوية ومتينة تكون قادرة على حماية الدولة والنظام السياسي، وأخذ خطوة نحو الأمام والانفتاح على القوى الأخرى التي تمثل الصوت الآخر أو كما تسمى ”المعارضة” وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى، التي تعتبر من أهم عوامل الاستقرار، بالإضافة إلى وضع آلية قانونية ودستورية بمشاركة كل القوى السياسية، لفتح ملف الفساد المستشري الذي ينخر جسد الدولة، فلا يمكن لأي حكومة أن تنجح دون مواجهة الفساد بجدية عبر الأجهزة الرقابية، وتطبيق مبدأ “من أين لك هذا” على الجميع دون استثناء.

ينبغي أن يستشعر المواطن في كل المحافظات وإقليم كردستان، أن الحكومة المركزية تعمل من أجله عبر تحسين الخدمات وتوفير فرص العمل وتقليص الفجوة بين المركز والأطراف، والنهوض بالواقع الاقتصادي للبلاد عبر برامج ومشاريع رائدة، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار وبما يحقق طفرة كبيرة في مجال التقدم العمراني، وهذا يأتي من خلال خطوات عملية ومدروسة لتعزيز هذا النجاح من خلال إطلاق برنامج “المئة يوم” الأولى لتقييم الأداء المبكر وتحديد الأولويات العاجلة، وتفعيل دور الحكومة الرقمية، لتقليل البيروقراطية وتحسين الخدمات، وإشراك مؤسسات المجتمع المدني الداخلية التي ترتبط بالمواطن، وليس من خلال الأجندات الخارجية المشبوهة في الرقابة وصنع القرار لتعزيز الشفافية والمساءلة.

بالإضافة إلى إيجاد التعديلات المناسبة للدستور عبر المشاركة المباشرة مع كل القوى السياسية، وبما يحقق التوازن المطلوب في صنع القرار السياسي، بالإضافة إلى تفعيل “ملف العلاقات الخارجية” من خلال تعزيز العلاقات الخارجية المتوازنة وبما يخدم المصالح الوطنية والحفاظ على سيادة البلاد وعدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، وبالمقابل عدم السماح بالمساس بسيادة العراق والتدخل بشؤونه الداخلية عبر أي جهة كانت.

الحكومة المقبلة أمام اختبار حقيقي، فإما أن تكون حكومة إنجازات تُعيد الثقة بالدولة، أو أن تتحول إلى رقم جديد في سجل الحكومات العابرة، فالنجاح ليس خياراً، بل ضرورة وطنية ومسؤولية تاريخية أمام الأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى