مقالات
أخر الأخبار

زهران ممداني} ظاهرة جديدة في تاريخ الولايات المتحدة

كتب محمد صالح صدقيان: فوز “زهران ممداني” في انتخابات عمدة ولاية نيويورك أحدث ردود أفعال كثيرة وتفسيرات وتكهنات اكثر للظاهرة وليس للحدث الذي اسمه “زهران ممداني”. كل ما في هذا الرجل من مواصفات؛ وكل العملية الانتخابية التي أدخلته بجدارة إلی مبنی عمدة نيويورك يدعو للوقوف عندها لأنها تعتبر سابقة في تاريخ الولايات المتحدة.

لا أحد كان يعرف من هو “زهران ممداني” قبل أشهر من فوزه. لمع اسمه في مدينة المال والاعمال والدولة العميقة التي تعتبر رمز القوة الناعمة للولايات المتحدة، التي تحتضن “وول ستريت” وهي ايضا المدينة التي تضم أكبر عدد من المليارديرات في العالم وأغنی مدينة في العالم. مدينة المال والاسهم والسندات.

اما من هو “ممداني” (34 عاما) ؟ فهو كما قال ليس المرشح المثالي “لكنني مسلم اشتراكي ديمقراطي وارفض الاعتذار عن اي من هذا”. وزاد في خطاب الفوز امام جمهوره “نيويورك مدينة المهاجرين وبٌنيت بواسطة المهاجرين وتدار بقوة المهاجرين؛ واعتبارا من هذه الليلة يقودها مهاجر”.

في قراءة اولية للمصطلحات التي جاءت في حديثه بعد الفوز يظهر جليا “مسلم”؛ “اشتراكي”؛ “ديمقراطي”؛ “المهاجرون”؛ “مهاجر” وهي مصطلحات حساسة جدلية تتجاذبها التيارات والاحزاب المختلفة؛ وهي الحديث الساخن في الولايات المتحدة بعد قرار الرئيس دونالد ترامب تضييق الخناق علی المهاجرين والاستمرار في خطته وبرامجه الاقتصادية، التي أدت الی مستويات من التضخم والبطالة وغلاء المعيشة.

وقال في خطاب الفوز؛ “سوف نحاسب أصحاب العقارات السيئين، لأن امثال دونالد ترامب في مدينتنا اعتادوا علی استغلال المستأجرين دون محاسبة؛ سننهي ثقافة الفساد التي سمحت للمليارديرات امثال ترامب بالتهرب من الضرائب واستغلال الاعفاءات الضريبية، سوف نقف الی جانب النقابات وندافع عن حقوق العمل، وكما يعلم ترامب انه عندما يتمتع العمال بحقوق قوية يصبح اصحاب العمل الذين يستغلونهم صغارا جدا بالفعل. سنقاتل من أجلكم لأننا منكم”.

واضح جدا انه استخدم مصطلحات تعني كل منها انقلابا علی الواقع السياسي التقليدي في الولايات المتحدة؛ ولا تنسجم مع المبادئ التي سارت عليها السياسة الاميركية. وكما وقف معه جميع المناصرين في أنحاء الولايات المتحدة بحملته الانتخابية فهو أدلی بخطاب لا يخص مدينة نيويورك فحسب وإنما اعطی خطابا جديدا مختلفا لنمط التفكير والعيش في الولايات المتحدة.

السؤال، من هم الذين خاطبهم “ممداني”؟ وهل تحدث مع عموم الشعب الاميركي أم أنه وجه خطابه لقاعدة يستهدفها ويستهدف تفكيرها؟ هذا سؤال مهم لأن الوسط الاجتماعي، الذي تحدث معه هم الذين اوصلوه لمنصب عمدة نيويورك؛ انه جيل “Z” وجيل الشباب الذين تقل اعمارهم عن 40 عاما، هذه القوة الخارقة التي لا تقرأ الصحف ولا تشاهد القنوات التلفزيونية ونشرات الاخبار؛ لا “فاكس نيوز” ولا “سي ان ان”. انهم يملكون وسائل التواصل الاجتماعي والجهاز السحري، الذين استطاعوا به خلال اقل من ستة اشهر تغيير المعادلة الانتخابية وابعاد ديناصورات السياسة الجهمورية والديمقراطية علی حد سواء.

انا اعلم ان “ممداني” لا يستطيع أن يترشح للانتخابات الرئاسية الاميركية لأنه غير مولود في الولايات المتحدة، لكن الخطاب الذي جاء به مهم جدا لدغدغة عواطف الناخبين.

“ممداني” تحدث خلال حملته الانتخابية بما يحلم به الشباب الذين لا يستطيعون الحصول علی الوظائف، علی السكن، علی الدخل المناسب؛ يريد خفض الإيجارات، ان يجعل النقل العام مجانا الی حد كبير، يريد تأسيس حضانة للأطفال شبه مجانية. هو تحدث بخطاب ليقدم نفسه بديلا عن الدولة العميقة التي جنّ جنونها وسعت بشتی الطرق إلى ابعاده واقصائه عن المسرح. نجح بفضح ازدواجية النظام الحاكم في الولايات المتحدة والدولة العميقة. لم يناصره الديمقراطيون في حين حاربه الجمهوريون. هو عزز اثنينية المجتمع الاميركي المخملي حيث الصراع بين البيض والمهاجرين.

يقول الخبراء عن “ممداني” بانه سيصل بمناصريه لمرحلة جديدة غير معروفة النتائج . لقد عارض وقاوم الجماعات الاسرائيلية، لكن اغلب يهود نيويورك من الشباب وقفوا معه. هو لم يكن ضيفا مناسبا علی الوسط الجمهوري لكنَّ الديمقراطيين الذين انتمی لهم ايضا محرجون لأن 70 – 80 بالمئة من الشباب الديمقراطي تاثروا بما يحمل من أفكار وتصورات وخطاب سياسي واقتصادي جديد، لأنه أعطی الشباب الامل بالتغيير مما يشي بتطورات كبيرة في الساحة الأميركية.

الرئيس الاميركي دونالد ترامب يعتقد ان النظام السياسي وادبياته يجب أن تتغير لأن الحالة المتوفرة لا تخدم مستقبل الولايات المتحدة. الرئيس ترامب لم ينجح في استمالة الشباب الذي يريد التغيير، تعاطف مع فلسطين ووقف ضد المذبحة التي مارسها الجيش الاسرائيلي ضد سكان غزة، كافأهم ترامب بقطع ميزانية الجامعات التي وقفت ضد اسرائيل امثال جامعة هارفرد.

علی الرغم من كونه مسلما ودغدغ عواطف المسلمين، لكن خطابه كان بعيدا كل البعد عن الاسلام والمذهب، دخل عقول وامال الشباب، انها ظاهرة تقف بقوة امام علماء الاجتماع السياسي للتنبؤ بانعكاسات هذه الظاهرة علی المجتمع الاميركي.

قد يتصور البعض بأني أبالغ في تفسير ظاهرة “ممداني” لكن الرأي العام الاميركي يعتقد ان هذه الظاهرة يجب ألا تمر مرور الكرام. ومن غير الواضح كيف ستتعامل معها الدولة العميقة التي تمسك بمفاتيح ومفاصل النظام الاميركي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى