
كتب سمير شاكر محمود العاني.. في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها قطاع التعليم في العراق، يبقى المعلم هو الركيزة الأساس في بناء المنظومة التربوية، وهو صمام الأمان في مسيرة الإصلاح الحقيقي. إلا أن واقع المعلم العراقي لا يعكس المكانة التي يستحقها، ما يفتح بابًا واسعًا للحديث عن التحديات، ويسلط الضوء على الحاجات الملحّة للنهوض بهذه الشريحة الحيوية.
المعلم يمثل حجر الزاوية في العملية التعليمية، وليس مبالغةً في القول إن جودة التعليم تبدأ من المعلم، فهو من يترجم السياسات التربوية إلى ممارسة ميدانية، ويحمل عبء إعداد الجيل فكريًا وسلوكيًا ووطنياً. وقد أثبت المعلم العراقي، رغم الظروف الصعبة، أنه ما زال ملتزمًا برسالته، ومؤمنًا بدوره في بناء الإنسان والوطن. وللأسف، فإن المعلم في الواقع المهني يعاني جملة تحديات متراكمة، أبرزها: ضعف الرواتب مقارنة بتكاليف المعيشة، قلة برامج التأهيل والتطوير المهني الفعالة، الضغط الإداري والروتين الورقي على حساب الأداء التربوي، تراجع الهيبة الاجتماعية لمهنة التعليم، ضعف البنية التحتية للمدارس، وغياب البيئة التعليمية الجاذبة.
ولعل تفعيل قانون حماية المعلم ضرورة حتمية، إذ إن غيابه أضعف الحماية القانونية للمربي، وفتح المجال لتجاوزات تمس كرامته وتحد من قدرته على أداء دوره التربوي الحازم. ويطالب المعلمون اليوم بتفعيل القانون بشكل كامل وفعّال، بما يضمن احترام المعلم داخل المؤسسة التعليمية، وفرض هيبته ضمن الأطر القانونية، حمايةً له من أي اعتداء معنوي أو جسدي، وضمانًا لسير العملية التعليمية بانضباط ومسؤولية.
الواقع التربوي الراهن يتطلب أن يُمنح المعلم صلاحيات أوسع في التعامل مع الطالب، بما يخوّله بناءه بناءً معرفيًا وسلوكيًا متوازنًا. فالعملية التربوية لا تقوم على التلقين وحده، بل على التوجيه والتقويم والمتابعة، وهذا لا يمكن تحقيقه ما لم يُمنح المعلم الأدوات والصلاحيات الكافية ليكون قائدًا فعليًا داخل الصف.
كما يمكن القول إن البنية التحتية تمثل حجر الأساس لأي إصلاح، فلا يمكن الحديث عن تعليم فعّال في ظل مدارس تفتقر إلى الحد الأدنى من التجهيزات، وقاعات مكتظة، ومختبرات غير مفعّلة، ومصادر تعليمية غائبة. كما إن توفير البنى التحتية الحديثة، وتجهيز المدارس بالتقنيات والوسائل التعليمية، بات أمرًا عاجلًا، بل شرطًا أساسيًا لضمان بيئة تعليمية محفزة تمكن المعلم من أداء دوره بفاعلية.
وينادي المعلمون دائمًا بمطالب مهنية تمثل حقوقهم المشروعة يمكن أن تتمثل في:
1.تحسين المستوى المعيشي عبر إعادة النظر في سلم الرواتب والمخصصات.
2.تفعيل قانون حماية المعلم وحفظ كرامته داخل الحرم المدرسي.
3.توفير برامج تدريب وتأهيل مستمرة تراعي التحول الرقمي والتربوي الحديث.
4.تقليص الأعباء الإدارية وتفريغ المعلم لمهامه الأساسية.
5.منح صلاحيات تربوية حقيقية تمكنه من ضبط الصف وبناء شخصية الطالب.
6.توفير بنى تحتية حديثة تواكب متطلبات التعليم المعاصر.
7.إعادة الاعتبار لمكانة المعلم اجتماعيًا وثقافيًا وإعلاميًا.
ختامًا، إن الاستثمار في المعلم ليس ترفًا، بل هو أساس التنمية البشرية المستدامة. وكل مشروع تربوي لا يضع المعلم في مركزه سيظل ناقصًا وعاجزًا عن إحداث تغيير حقيقي. من هنا، فإن دعم المعلم وتحصينه قانونيًا ومهنيًا، وتوفير بيئة عمل تحترم إنسانيته وتقدّر علمه، هو البداية الحقيقية لأي نهضة تعليمية نأمل أن تراها أجيال العراق المقبلة.