
كتب أ.د. محمد بهجت ثامر.. يمثل الأمن المائي أحد التحديات الرئيسة التي تواجه العراق في ظل التغيرات المناخية، حيث صنّفت الأمم المتحدة العراق واحدًا من خمس دول هي الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية، إذ انخفض الخزين المائي إلى (10) مليارات متر مكعب وهو الأدنى منذ (80) عامًا، والأمر سينعكس على الزراعة التي تراجعت بشكل كبير.
إذ أعلنت وزارة الزراعة حظر زراعة ثمانية محاصيل صيفية بسبب أزمة شح المياه، وهي: (الأرز، الذرة الصفراء، الذرة البيضاء، السمسم، القطن، الدخن، زهرة الشمس، والماش (بقوليات)) من الخطة الصيفية، ما يجعل الأمن المائي قضية ملحّة تحتاج إلى استراتيجيات وحلول فعّالة.
يقصد بالأمن المائي توافر الثروة المائية من ناحية مخزونها وتنوع مصادرها وطرق استثمارها، وكيفية تحسين نوعيتها وضمان توافرها بالقدر الذي يلبي حاجة الاستهلاك البشري والإنتاج الزراعي والنمو الصناعي والتوازن البيئي.
وتطور مفهوم الأمن المائي وأصبح مفهومًا معقدًا ومتشعبًا لشمولِه على أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولهذا يُعد أحد أهم مسؤوليات حكومات الدول.
إذ عُرِّف الأمن المائي بأنه قدرة الدولة على تأمين احتياجات البلد الحالية من المياه مع ضمان استمرارها وتدفقها للأجيال المقبلة، عبر سلسلة من الإجراءات، منها الداخلية المتعلقة بإدارة الدولة لمواردها المائية بالشكل الأمثل بعيدًا عن الهدر والإسراف، وكيفية تسخير الموارد المائية كطاقة إنتاجية فعّالة في الأنشطة الزراعية والصناعية، وإجراءات أخرى تتعلق بضمان حقوق الدولة في مياهها وحقها في استغلالها من خلال سلسلة من الاتفاقيات والمعاهدات التي تثبت حقوقها التاريخية والقانونية فيها.
إن تحقيق الأمن المائي في العراق ليس مجرد مسعى يتعلق بتأمين مورد هو أساس للحياة، بل هو شرط أساسي وجوهري لتحقيق التنمية المستدامة وضمان استقرار البلد على المدى الطويل.
وهناك تحديات كبيرة في هذا المجال، تشمل النمو السكاني والتوسع الحضري، والاستخدام المكثف للمياه في القطاع الزراعي، فضلًا عن التغيرات المناخية التي تزيد من مدد الجفاف وتعرض الموارد المائية لضغوط الاستنزاف.
هذه التحديات المعقدة تتطلب إجراءات حكومية صارمة لزيادة وعي المجتمع بأهمية الموارد المائية وضرورة الحفاظ عليها.
لذا لابد من تحقيق تنمية مستدامة في مجال الموارد المائية عبر محاور عدة، تشمل تطوير البنية التحتية للمياه، ودعم تقنيات حصاد المياه، وتعزيز استخدام تقنيات الري الحديثة، وإنشاء محطات تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة وإعادة تدويرها.
هذه الإجراءات من شأنها أن تقلل من الاعتماد على موارد المياه التقليدية في القطاعات المختلفة، وخاصة القطاع الزراعي الذي يمثل المستهلك الأكبر للمياه، وستخفف بلا شك من حدة التداعيات السلبية لأزمة شح المياه، وتحافظ على الأمن المائي الذي يمثل حجر الزاوية لضمان مستقبل مستدام لصالح الأجيال المقبلة.