مقالات
أخر الأخبار

محمد طاهر.. معجزة غزة

كتب حمزة مصطفى.. تتكرر طرق رفع اسم الوطن بين الأمم من قبل أبنائه. فهناك من يتفوق في ميدان ما وينال شهرة في السياسة أو الطب أو الاقتصاد أو إحدى الرياضات العالمية، فيجلب الشهرة له ولبلاده التي يحمل إسمها حتى لو كان غادرها صغيرا وحمل جنسية بلاد أخرى.

فالبلدان في النهاية لا تقاس بحمل الجنسية بل بالإنتماء الأصلي الوجودي. أو قد يحصل أحدهم على جائزة نوبل ذائعة الصيت في أي حقل من الحقول المتعددة لهذه الجائزة فيجلب المجد له ولاٍسرته ولبلاده. لكن هناك من هو لا هذا ولا ذاك. لا يسعى الى شهرة ولا الى مجد ينال بعده جائزة حتى لو بمستوى نوبل.

هناك من يذهب الى أبعد حدود اليقينات التي يؤمن بها دون حساب لما يترتب على ذلك من نهاية بل نهايات يمكن ان تجعله طعما لرصاصة طائشة من رصاص العدو المنهمر في كل الإتجاهات دون قيود أو حدود. وقد لا يجد حتى سجل يوثق موته، ويبقى موتا مجهولا يقيد ضد معلوم.. رصاص العدو.

الطبيب العراقي المغترب محمد طاهر الذي أذهلت حكايته العالم عندما تطوع ضمن أحد الفرق الدولية لإسعاف أهالي غزة خلال الحرب التي شنتها ولاتزال آلة الحرب الصهيونية ضد القطاع نموذجا لذلك.

محمد طاهر الذي حظي باستقبال المرجع الديني الأعلى آية الله علي السيستاني في لفتة عظيمة تدل على أهمية ما قام به من عمل إنساني وأخلاقي كبير وخطير في غزة في عز الحرب وانهمار الرصاص على الرؤوس بمن فيهم رأسه قام بعمل كبير طبقا لكل المقاييس. محمد طاهر طبيب القلب الجراح لم يعبأ بالرصاص، بل تركه وراءه تماما. محمد طاهر الذي ينتج الآن عنه فيلما عالميا أدار وحده حربه الخاصة وانتصر فيها مرفوع الرأس والوجدان والقيم والخلود. سأتركه يتحدث لوسائل الإعلام بعد أن عرضت دور السينما العرض الأول لفيلم “المهمة” الذي إنتج عنه ويعتقد إنه سوف يحظى بشهرة عالمية.

يقول الجراح محمد طاهر «كادت تلك اليد تكون معجزة غزة، لكن حتى المعجزات لا تبقى على قيد الحياة هنا»، هكذا علّق الجرّاح محمد طاهر بعدما خسرت الطفلة مريم يدها، رغم محاولاته الحثيثة لتفادي البتر. يقول: «إحدى أصعب اللحظات، وهي لا تُحصى، كانت في مستشفى (شهداء الأقصى) في دير البلح. في ذلك اليوم وصلت إصابات كثيرة من بينهم أطفال. كان أحدهم مرمياً أرضاً ومتروكاً برأسٍ مضمّد عشوائياً. تُرك يموت وحده… وأنا، وسط الفوضى والصراخ والدماء، ذهبت إليه ومسكت يده ومسحت على صدره كي لا يموت وحده».

تستوقفه دموعه عندما يسترجع مشاهد مثل هذه، وفي الفيلم أيضاً بكى الدكتور طاهر. تأثّر أمام أمٍ تشكره لأنه أجرى جراحة ناجحة لجسد ابنها المشظّى، كما شارك العائلات لوعة فقد الأحبة، وهو بكى كذلك في كل مرةٍ كان يغادر فيها غزة، تاركاً خلفه ضحايا علّقوا آمال الشفاء عليه. اليوم، وبعد أشهر قليلة على انتهاء مهمته الأخيرة، بات الطبيب ممنوعاً من دخول القطاع. لقد ذاع صيتُه وصارت الحكايات التي يوثّقها تزعج إسرائيل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى