مقالات
أخر الأخبار

الألغام الأرضيَّة في العراق

كتبت نرمين المفتي.. نشرت اللجنة الدوليَّة للصليب الأحمر – بعثة العراق في (اليوم العالمي للتوعية بخطر الألغام) تقريراً قالت فيه إنَّ الألغام الأرضيَّة والمخلفات الحربيَّة المتفجرة في العراق تمتدُّ على مساحة تقدر بـ 2100 كيلو مترٍ مربع.

وأضافت أنَّها “تشكل هذه المخاطر المميتة تهديداً مستمراً على حياة المدنيين”، وكررت دعوتها “لبذل قصارى الجهود للحد من التلوث واسع النطاق بالألغام والمخلفات الحربيَّة المتفجرة في العراق”. ومرَّ اليوم بدون أي نشاطٍ توعوي،

 

وكي أكون منصفة ذهبت إلى موقع وزارة البيئة التي تتبعها (دائرة شؤون الألغام) على الإنترنت ولم أجد أي نشاطٍ مميزٍ في هذا اليوم سوى خبرٍ واحدٍ عن مشاركة الدكتورة اكتفاء الحسناوي، الوكيل الإداري لوزارة البيئة والمدير العام لدائرة شؤون الألغام، والوفد العراقي الذي ترأسته في المؤتمر الدولي الثامن والعشرين لمكافحة الألغام، المنعقد في مدينة جنيف السويسريَّة، ومشاركتها في الجلسة الحواريَّة الافتتاحيَّة ضمن لقاء الخبراء وإشارتها الى تجربة الدائرة المميزة في الموصل بإزالة الألغام بعد تحريرها من الظلاميين..

 

تعدُّ الألغام الأرضيَّة واحداً من أخطر التحديات في العراق منذ عقودٍ؛ وبسبب الحروب التي شهدها العراق بدءاً من حرب الثماني سنوات وانتهاءً بمعارك التحرير ضد عصابات داعش الإرهابيَّة. وبحسب الإحصاءات الرسميَّة وتقارير الأمم المتحدة، يُقدّر أنَّ العراق يحتوي على أكثر من ٢٥ مليون لغمٍ أرضيٍ وذخيرة غير متفجرة منتشرة في أنحاء متفرقة من البلاد، خاصة في الجنوب على الحدود مع إيران، وفي الشمال حول المناطق التي شهدت معارك التحرير. وتشير تقارير (خدمة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغامUNMAS ) إلى أنَّ أكثر من 8500 شخصٍ سقطوا بين قتيلٍ وجريحٍ بسبب الألغام والذخائر غير المنفجرة خلال العقود الماضية، مع استمرار تسجيل مئات الحوادث سنويًا.

 

بينما كشف فاضل العزواي، المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، في بيان في شهر شباط الماضي عن أنَّ “عدد ضحايا المخلفات الحربيَّة تجاوز 30 ألف شخصٍ منذ العام 2003”، وأضاف أنَّ “العراق يعدُّ من بين الدول الأكثر تلوثًا بالألغام والمخلفات الحربيَّة بسبب تراكم الحروب والنزاعات على مدار عقودٍ عديدة، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لحياة المدنيين”. وقد تختلفُ الأرقام بحسب المصادر الميدانيَّة وتحديثات البيانات.

 

المشكلة لا تقتصر على حصد الأرواح فحسب، بل تعيق كذلك مشاريع التنمية الاقتصاديَّة والزراعيَّة، وتحرم آلاف الأسر من استغلال أراضيها، ما يفاقم مشكلات الفقر والهجرة الداخليَّة. في الجنوب العراقي، خصوصًا في محافظات البصرة وميسان وذي قار، لا تزال العديد من القرى محاصرة بحقول ألغامٍ عمرها أكثر من ثلاثين عامًا، وتزدادُ خطورتها مع مرور الزمن بسبب تآكل موادها. وقرية (البتران) والتي كتبت عنها الصحافة العالميَّة كثيراً مثالٌ صارخٌ على هذه الخطورة، وهي قرية (جرف الملح) في البصرة، وحسب معلومات غير رسميَّة، فإنَّ عدد الذين فقدوا أذرعهم أو أرجلهم بسبب الألغام فيها أكثر من 1000 شخص، بينهم 45 شخصاً بعد 2003 بسبب الدوس على الألغام. وفي شباط الماضي، أفادت مصادر أمنيَّة في البصرة بأنَّ ثلاثة أشخاص فقدوا حياتهم بانفجار لغمٍ أرضي في منطقة زيد بن صوحان بقضاء أبي الخصيب جنوبي المحافظة.

 

عالميًا، تعدُّ الألغام الأرضيَّة إحدى أخطر المشكلات الإنسانيَّة، وقد وقّعت معظم دول العالم على “معاهدة أوتاوا” عام 1997 التي تحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد، وتسعى إلى إزالتها ومساعدة الضحايا. ومع ذلك، يبقى العراق من أكثر الدول تلوثًا بالألغام إلى جانب دولٍ مثل أفغانستان وكمبوديا.

 

وتعملُ مع العراق في مواجهة هذه الكارثة، جهاتٌ عدة دوليَّة وبرنامج الأمم المتحدة (UNMAS) بالتعاون مع الحكومة العراقيَّة يشرف على مشاريع إزالة الألغام، فضلاً عن منظماتٍ غير حكوميَّة. تقوم هذه الجهات بمسح الأراضي الملوثة، إزالة الألغام، وتقديم التوعية للسكان، مع دعم الضحايا نفسيًا وطبيًا. إلا أنَّ حجم المشكلة يفوقُ الإمكانيات المتاحة، ويحتاج العراق إلى دعمٍ أكبر وأسرع من المجتمع الدولي.

 

وبرغم الإنجازات التي تحققت، ما زالت التحديات ماثلة. ضعف التمويل، اتساع رقعة التلوث، قلة فرق إزالة الألغام المدربة، وتكرار النزاعات المسلحة، كلها أسبابٌ تجعل عمليَّة التخلص من الألغام تسير ببطءٍ شديد. كما أنَّ نقص التوعية المجتمعيَّة، خصوصًا بين الأطفال والشباب، يزيدُ من خطورة الوضع، مع تسجيل إصاباتٍ شبه يوميَّة في بعض المناطق، فكلّ لغم يُزال هو حياة تُنقذ، وكلُّ حقلٍ يُطهّر هو خطوة نحو عراقٍ أكثر أمنًا وازدهارًا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى