مقالات
أخر الأخبار

نوبل في مرمى الصفقة

كتبت نرمين المفتي : غدا، العاشر من الشهر الجاري، سيعلن رسميا الفائز بجائزة نوبل للسلام لسنة 2025، في لحظة عالمية مرتبكة تتداخل فيها الرمزية بالسياسة. وبينما تتجه الأنظار نحو أوسلو، يتردد اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوصفه المرشح الأكثر إثارة للجدل، ليس بسبب إنجازات واضحة في إحلال السلام، بل لأن الواقع السياسي في غزة بات يُقرأ اليوم كاختبار حقيقي لخطته التي قبلتها المقاومة بشروط جزئية وتحفظات ثقيلة.

 

منذ أسابيع، تحول المشهد في غزة إلى ما يشبه سباقا بين النار والمفاوضة. لم يكن قبول الخطة الأميركية إعلانا عن اقتناع تام، بل خطوة اضطرارية تحت ضغط الحصار والتدمير المستمر، ووسط تصاعد الرغبة الدولية في إيقاف الحرب بأي ثمن. ومع ذلك، سارعت الدوائر القريبة من البيت الأبيض إلى تصوير هذا القبول على أنه “اختراق تاريخي” و”انتصار لنهج ترامب في فرض السلام عبر الصفقات”.لكن هذا السلام الموعود يبدو حتى الآن هشا ومعلقا على تفاصيل لم يتم حسمها. فغزة لم توافق على كامل بنود الخطة، خصوصا ما يتعلق بترتيبات الأمن والحدود ودور الكيان في الإشراف على المساعدات وإعادة الإعمار. ورغم محاولات واشنطن تسويق المشهد كـ (إنجاز دبلوماسي). إلا أن كثيرين يرون فيه تكرارا لنهج “السلام القسري”، الذي يشبه التطبيع أكثر مما يشبه تسوية عادلة. وفي خضم هذا الجدل، لا نعرف حتى الان عدد الذين رشحوا أو دعموا ترشيح ترامب، فقد أعلنت كمبوديا رسميا ترشيحه للجائزة، مشيدة بدوره في إنهاء نزاعها الحدودي مع تايلاند، رغم أن مهلة الترشيحات الرسمية كانت قد انتهت. هذا الترشيح الاسيوي أضفى بعدا غير متوقع على المشهد، لكنه أثار أيضا تساؤلات قانونية حول مدى جدية قبول الترشيحات المتأخرة ومدى تأثيرها الفعلي في قرار لجنة نوبل.أما في واشنطن وتل أبيب، فقد كانت الصورة أكثر وضوحا، فقد أعلن بنيامين نتنياهو ترشيح ترامب، واصفا إياه بأنه “أعظم صديق لـ(إسرائيل) بين رؤساء أميركا”. هذا الترشيح لم يكن مجرد بادرة رمزية، بل جزء من توازنات دقيقة، فنتنياهو يسعى لإبقاء ترامب في موقع الزعيم العالمي القادر على تأمين الغطاء السياسي للكيان، بينما يوظف ترامب بدوره ما يجري في غزة ليقدم نفسه كـ”صانع سلام” يمهد لنيل الجائزة التي يعتبرها تتويجا لمسيرته العالمية.

غير أن سردية “ترامب رجل السلام” تصطدم بواقع معقد. فالرئيس الأميركي الذي يروج له كقائد قادر على إطفاء أزمات الشرق الأوسط، لم ينجح حتى الآن في إنهاء الحرب الروسية–الأوكرانية رغم امتلاكه أدوات ضغط هائلة. وإذا كانت نوبل ستمنح له هذه المرة، فستكون بمثابة ختم سياسي على سلام غير مكتمل، أقرب إلى هدنة ممددة منه إلى اتفاق حقيقي.

ثمة مفارقة لافتة، جائزة نوبل التي وجدت لتكريم من “يُطفئون الحروب” قد تمنح هذه السنة لمن يديرها بمقاربة الصفقات والمقايضة. فكل تجربة سلام برعاية ترامب، من اتفاقات التطبيع إلى خطته الأخيرة لغزة، ارتبطت بصفقات اقتصادية وتسويات عسكرية، وكأن الدبلوماسية باتت فرعا من تجارة السلاح.وحتى لو لم تمنح الجائزة لترامب، فإن مجرد تداول اسمه مرشحا بارزا يكشف حجم التحول في مفهوم السلام نفسه بأنه لم يعد مرتبطا بالعدالة أو بالحقوق، بل بالقدرة على فرض الهدوء المؤقت وتجميد النار دون إطفائها. أما في غزة، فإن قبول الخطة لا يعني نهاية الحرب بقدر ما يعني بداية فصل جديد من التفاوض الطويل، بين من يملك القوة ومن يحاول النجاة بها.جائزة نوبل، إذن، تواجه اختبارا حقيقيا هذه السنة، هل تكافئ سلاما عادلا، أم صفقة تجمل الخراب؟، بالنسبة لترامب، ستكون الجائزة تتويجا لمسيرة يريدها عالمية، أما بالنسبة للفلسطينيين، فستبقى رمزا لسلام لم يولد بعد، سلام يحتاج إلى عدالة أكثر من حاجته إلى احتفال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى