
كتب نبيه البرجي.. “دولة فلسطينيَّة على أرضنا؟ قنبلة نوويَّة في ظهورنا”. هذا رأي وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار. كيف يمكن أن نتصور ما يمكن أن يفعله الإسرائيليون؟
الاستعداد للجوء إلى الخيار النووي للحيلولة دون قيام تلك الدولة، التي تعني في نظر الحاخامات والجنرالات أن نهاية إسرائيل قد اقتربت، “اذ كيف لنا أن ندع تلك السكين تحفر في عظامنا…؟”.
في حديث مع الصحافي الأميركي سيمور هيرش الذي كان أول من كشف بالأرقام، عن عدد الرؤوس النووية في إسرائيل، لاحظ أن المؤسسات السياسية والعسكرية والدينية هناك ترى أن القنبلة “القنبلة الالهية” هي “الحارس الإلهي” للدولة حتى اذا ما تعرضت للخطر، لا بد من ان يتحرك الحارس في الحال. ولطالما قرأنا لأهل السلطة في إسرائيل، إلى أن “خطر يهدد وجودنا مثل الخطر الذي تشكله الدولة الفلسطينية “. الحاخام مئير كاهانا ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال “لقد أخطأنا حين اقتلعناهم من أرضنا فقط. كان يقتضي أن نقتلعهم من حياتنا”.
هذا كان وراء دعوة وزير التراث عميحاي الياهو إلى القاء القنبلة على غزة، لا من أجل القضاء على حركة “حماس” وإنما من أجل القضاء على الفلسطينيين. وكانت قد انتشرت معلومات في السبعينيات من القرن الفائت عن الاتجاه إلى نشر جرثومة بيولوجية بين الفلسطينيين تمنعهم من التناسل، لكن الخشية آنذاك من انتقال العدوى إلى الإسرائيليين أوقفت ذلك الاتجاه.
نواب من الائتلاف قالوا “دولة فلسطينية ؟ أجل، ولكن في.. عربة الموتى” !.
المفارقة هنا أن كبار المسؤولين الأوروبيين بدؤوا يستشعرون مدى الأهوال، التي يواجهها سكان القطاع وهم يتكدسون في ذلك العراء الأبوكاليبتي. الموت بالنار أو جوعاً.
واذ كانت التظاهرات الجامعية دليلاً على تحول ما لدى النخبة الأميركية في النظر إلى “التراجيديا الفلسطينية”، نفاجأ بأن هناك تحت قبة الكابيتول وحيث الهيكل المقدس للديمقراطية من هم أكثر جنوناً من أركان الائتلاف في إسرائيل. اذ سيق للسيناتور الجمهوري لندسي غراهام رأى أن المكان الوحيد الذي يليق بالفلسطينيين هو الجحيم، يدعو النائب الجمهوري راندي فاين إلى ضرب غزة نووياً “تماماً كما ضربنا هيروشيما”. مثلما كان اليابانيون يخططون لاختراق لوس انجلس، ما يستتبع سقوط الإمبراطورية الأميركية، الفلسطينيون يفكرون باختراق تل أبيب، ما يعني سقوط “إمبراطورية يهوه”. اذاً القنبلة صنعت للدفاع عن.. الله”. الخطورة في كلام فاين أنه صدر عن مشرّع أميركي. الخطورة الأكبر أن ما من أحد في الكونغرس اعترض على ذلك الكلام، ليبدو أن هناك تأييداً ضمنياً لتلك الدعوة، لنكون هنا نستعيد، مرة أخرى، ما حدث لبطل الباسيفيك الجنرال دوغلاس ماك آرثر عندما أبرق إلى الرئيس هاري ترومان، طالباً توجيه ضربات نووية إلى القوات الشيوعية في كوريا. للتو استدعى الرئيس الأميركي الجنرال الذي كان على بعد خطوات من البيت الأبيض، بدل دوايت ايزنهاور الذي استمد زخمه السياسي من انزال النورماندي، وأحلّ محله الجنرال ماثيو ريديغواي. حجته آنذاك ألا يصاب الجنرالات بـ “متلازمة القنبلة”. نعلم ما يعنيه اللجوء إلى القنبلة النووية في الشرق الأوسط. وكان هناك بعض المسؤولين العرب قد أبدوا أمام نظرائهم الأميركيين قلقهم من “اللحظة النووية” في العقل الإسرائيلي، وبعدما كانت غولدا مئير قد أمرت بوضع الصواريخ النووية على أهبة الاستعداد ابان حرب عام 1973.
دائماً كانت الاجابة الأميركية أن القنبلة فقط للدفاع عن وجود إسرائيل، عبارة ملتبسة وتفتح المجال لكل أشكال الاجتهاد، بعدما لاحظنا ما رؤية الإسرائيليين لأنواع الخطر التي تهدد وجودهم. وكان قد لوحظ أن أميحاي الياهو، أول مسؤول إسرائيلي يعترف بوجود ترسانة نووية في بلاده، بعدما اكتنفت هذه المسألة الكثير من الظلال الكثيفة. وكنا قد لاحظنا الحالة الهيستيرية التي عصفت بحكومة شيمون بيريز، وبعدها، مباشرة حكومة اسحق شامير لدى كشف الفني النووي مردخاي فعنونو (اليهودي الذي تحول إلى المسيحية) أسرار القنبلة لصحيفة الـ”صنداي تايمز” البريطانية عام 1986 ليلحق به الموساد إلى روما حيث تم اختطافه من هناك، ويحكم عليه بالسجن لمدة 18 عاماً، ويعامل بعد انتهاء تلك الفترة كشخص ملاحق ومحاصر “حتى أنني أشعر أحياناً بأنهم يقفلون نوافذ منزلي كي لا يدخل اليه الهواء”.
من يتابع الدراسات التي تصدر عن معاهد متخصصة في أميركا أو في إسرائيل، يلاحظ ظهور مخاوف حقيقية على وجود الدولة العبرية، بعدما أثبتت فلسفة القوة أنها تفضي إلى مكان وحيد: الهاوية، لتكون النتيجة هكذا.
أن يقول الأميركيون للعرب، في الضوء، “نحن من نحميكم من القنبلة الإيرانية” وفي الظل “نحن من يحميكم من القنبلة الإسرائيليَّة”.