مقالات
أخر الأخبار

مفاوضات طهران وواشنطن.. صراع إرادات وإنجازات أميركيَّة لم تتحقق

كتب محمد صالح صدقيان.. عاش المشهد الإيراني حالة من الترقب لمسار المفاوضات بين طهران وواشنطن، بعدما قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده تدرس مقترحا تقدم به الوسيط العماني بدر البوسعيدي لكلا الجانبين الإيراني والامريكي، بعد انتهاء الجولة الخامسة من المفاوضات التي عقدت في روما.

كان هذا الامر قبل الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لسلطنة عمان الأسبوع الماضي والذي رافقه بها وزير خارجيته عباس عراقجي، حيث تحدثت المصادر إن بزشكيان تناول في مباحثاته مع سلطان عمان هيثم بن طارق المفاوضات مع الجانب الأمريكي.

لم يترشح كثيرا ما تم بين الرجلين لكن المفاجأة كانت عندما قام وزير الخارجية العماني يوم السبت 31 مايو الفائت بزيارة قصيرة وخاطفة لطهران نقل خلالها رسالة من المفاوض الامريكي استيف ويتكوف احتوت مقترحات لتسوية المشكلة النووية مع ايران؛ والخروج من الانسداد الذي وصلت إليه المفاوضات على خلفية الخطوط الحمراء التي وضعها الجانبان بشان أنشطة تخصيب اليورانيوم. لا توجد معلومات واضحة بشان المقترح الأمريكي لكن معلومات غير رسمية تحدثت عن اقتراح الجانب الامريكي إنشاء مجمّع عربي ايراني أمريكي مشترك لتخصيب اليورانيوم، لكن هذه المعلومات لم تتحدث عن مكان هذا المٌجمع هل هو داخل ايران أم خارجها؛ واذا كان خارج ايران؛ ما هو مصير أجهزة وأنشطة التخصيب التي تمتلكها ايران وهي من الجيل السابع؟، وقبل ذلك ما هو مصدر الكعكة الصفراء التي تستخدم للتخصيب؟، هل هي ايران أم مصدر آخر؟. أسئلة متعددة قال عنها الجانب الإيراني بانه يدرسها قبل أن يعطي موقفه منها، لكن الواضح أن أي رد من طهران سيأخذ بنظر الاعتبار كافة النتائج المترتبة علىه، سواء بالقبول أو الرفض، لان هذه النتائج ستكون مكلفة لطهران كما يتوعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. اللافت أن هذه هي المرة الأولى منذ بدء المفاوضات في 19 نيسان/ أبريل الماضي الذي يطرح فيها المفاوض الأمريكي اقتراحا مكتوبا؛ حيث تزامنت هذه الخطوة مع تسريب “متعمد” لمحتوى تقرير يريد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل غروسي إصداره لتقديمه لمجلس محافظي الوكالة المذكورة الذي ينعقد في يوليو تموز القادم.

التزامن لم يكن عاديا ولا طبيعيا، وإنما كان مقصودا للتلويح بـ “العصا والجزرة” للضغط الأقصى على الجانب الإيراني للقبول بالمقترح الذي تقدمت به الولايات المتحدة.

تسريب محتوى تقرير مدير الوكالة الدولية في مثل هذه الظروف يحمل دلالات مهمة، فهذا التسريب أوضح أن إيران مستمرة في عمليات أنشطة التخصيب المرتفعة التي تصل إلى 60 بالمئة، وأن ما تملكه إيران اليوم من اليورانيوم المخصب بهذه النسبة 408 كيلوغرامات بزيادة 50 بالمئة عما كانت تملكه في فبراير شباط الماضي؛ وأنها تستطيع أن تصنع 8 قنابل نووية؛ لأن كل 40 كيلو من هذه المادة تستطيع أن تصنع قنبلة نووية !؛ لكن التسريبات أكدت مرة أخرى أن فرق التفتيش لم تعثر على ما يفيد باتجاه إيران لعسكرة برنامجها النووي.

وفي نظرة “فنية” و”نفسية” لهذه التسريبات يظهر جليا أن التسريبات ليس فيها جديد، فهي تؤكد قدرة الوكالة الكاملة بالإشراف على البرنامج النووي الإيراني وان جميع الأنشطة تجرى وفقا لمراقبة فرق التفتيش التي استطاعت أن تحصل على هذه المعلومات، في الوقت الذي تقر فيه هذه الفرق أنها لم تعثر على ما يفيد باتجاه إيران نحو حيازة أو تصنيع الأسلحة النووية.

لكن الجانب النفسي و”العصا” الذي لوحت به هذه التسريبات عندما قالت إن إيران تستطيع راهنا صناعة 8 قنابل نووية، وهذه وحدها كافية لإقناع مجلس الأمن الدولي أن إيران تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين.

وفي حال تم ترحيل الملف الإيراني إلى أروقة مجلس الأمن الدولي؛ فان بوادر الحرب التي تلوح بها الولايات المتحدة تكون ممكنة دوليا، وهذه هي أبعاد “العصا”.

أما “الجزرة” فهو الاقتراح الأمريكي الذي نقله الوسيط العماني الذي يعطي ايران امتيازات شراكة صناعية ونووية واستثمارات ودمج في الوسط الإقليمي والدولي، ورفاهية مكتوبة على الورق لتفكر بها ايران؛ وأين تريد أن تقف؟.

الاعتقاد السائد إن ايران التي ضحت كثيرا من اجل هذا البرنامج ودفعت من خلاله ضرائب باهظة، من الصعب عليها أن تقبل بوعود غير مضمونة من بلد لا تثق به؛ ولا تثق بقادته؛ ولا إجراءاته؛ ولا سلوكه الذي تعتبره يريد الهيمنة على خلق الله في هذا الكوكب.

لكنها في ذات الوقت لا تريد الوصول مع الجانب الأمريكي لطريق مسدود وإنما تريد ترويضه للوصول إلى ما يحفظ حقها في امتلاك “الدورة الكاملة للتقنية النووية” بما في ذلك أنشطة التخصيب في إطار قوانين ومواثيق الوكالة الدولية التي ترعى وتراقب وتساعد الأنشطة النووية لجميع أعضائها المستخدمة للأغراض السلمية.

الوزير الإيراني عباس عراقجي قال إن بلاده تعكف على دراسة المقترح قبل أن تعطي رأيها؛ وهناك عدة خيارات ومقترحات يبدو أنها تكافح من اجل التوصل إلى ما يزيل القلق عند الجانب الأمريكي حيال البرنامج الإيراني ويسهم بإزالة العقوبات الاقتصادية.

لكن يجب علينا أن لا نغفل أن تقرير المدير العام للوكالة الدولية فيه مخاطر حقيقية وهي قانونية. فاذا ما أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية قرارا بشأنه واقر أن النشاط الإيراني يهدد الأمن والاستقرار العالميين، فهذا يعني وضع ايران في الفصل السابع الذي لا تخرج منه إلا بحرب كما كان في النموذج العراقي.

أما السيناريو الآخر فهو اخذ الترويكا الاوروبية لهذا التقرير والاستناد عليه في تفعيل آلية “اسنب باك” الواردة في الاتفاق النووي، الذي احتضنه القرار الأممي 2231 لتفعيل ستة قرارات مقاطعة دولية أصدرها مجلس الأمن الدولي قبل العام 2015.

وبطبيعة الحال أن ايران تعرف هذه المسارات وقد وضعت إجراءات يعرفها الآخرون. فعلى سبيل المثال قالت إن ترحيل الملف إلى مجلس الأمن الدولي سيقابله انسحاب إيراني من معاهدة حظر الانتشار النووي؛ وان صدر قرار جديد من مجلس الأمن الدولي فإنها ستخفض تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وان تمت مهاجمتها فإنها ستغير عقيدتها النووية وهكذا.

واستنادا على ذلك فان مثل هذه التصعيد لا يخدم اي طرف من الاطراف المعنية بالملف النووي، وان خيار الواقعية السياسية للنظر لهذا الملف يستطيع ان ينقذ المنطقة من الحرب والتوتر والتأزيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى