
كتب عبد الزهرة محمد الهنداوي.. فجأةً، اشتعل مرجل “هايبر ماركت الكوت”، ليغلي بعشرات الأرواح من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، ممن ساقتهم اقدارهم إلى أن هناك طلبًا للراحة والترفيه، وهربًا من حرّ تموز اللاهب. لكنهم خرجوا من ذلك المكان، جثثًا متفحمة، إلى حدّ تعذّر التعرّف على ملامحهم من قبل ذويهم!.
إنها فاجعة لا يمكن إلا أن تهزّ الوجدان، لكنها للأسف ليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، في ظل استمرار الإهمال والتراخي في الالتزام بمتطلبات السلامة العامة، فلقد مررنا بالعديد من الكوارث التي لا تقل هولاً عن ما حدث في الكوت، بل إن بعضها كان أشد فاجعة.
ولستُ هنا بصدد استحضار الألم أو نكأ الجراح، وإنما هي دعوة صادقة للتأمل والوقوف طويلًا أمام ما حدث، بغية تشخيص مكامن الخلل بوضوح، وفي مقدمة ذلك، ما هو مستوى الالتزام الفعلي للجهات المعنية بواجباتها؟ فقد كشفت التحقيقات الأولية عن سحب يد (17) موظفًا من دوائر محافظة واسط، يُشتبه بتقصيرهم في أداء مهامهم، سواء ما يتعلق بمستلزمات السلامة داخل المبنى، أو بسرعة التعامل مع الحريق في لحظاته الأولى، وهو ما بدا جليًا من خلال قلة عدد سيارات الإطفاء، التي لم تكن كافية لإخماد النيران.
كل ذلك يعيدنا إلى أهمية اعتماد مبدأ إدارة المخاطر المحتملة، ووضع آليات استجابة واضحة وفعالة، للتعامل مع أي نوع من الكوارث عند وقوعها. فالحرائق، بطبيعتها، من أكثر المخاطر احتمالًا حدوثا، نظرًا لتكرار الأعطال الكهربائية، وسوء التخزين، وغياب الصيانة، وضعف الوعي، والاهمال، فضلاً عن المواد القابلة للاشتعال المستخدمة في البناء.
وهنا لا بد من إلزام أصحاب المنشآت والمباني العامة، باستيفاء شروط السلامة كافة، وفي مقدمتها، أنظمة الإنذار المبكر، وايجاد مخارج طوارئ وسلالم خارجية سهلة الاستخدام، مع تجهيز المباني بقناني اطفاء الحرائق موزعة ومدعومة بكوادر مدربة على استخدامها، ومن المهم ايضا، أن يكون هناك مرشدون ومنقذون لإدارة عمليات الإخلاء وتوجيه المواطنين نحو المخارج الآمنة، لتجنّب الهلع والتدافع.
ولو أن هذه الإجراءات كانت متوفرة بشكل فعلي، لما امتدت ألسنة النار لتلتهم المبنى ومن فيه بهذه الطريقة المروّعة. أما على صعيد الاستجابة الرسمية، فإن تعامل فرق الدفاع المدني مع الحادث، وإن كانت لها مواقف مشهودة في السابق، إلا أن ما حدث في الكوت كشف عن قصور واضح. سيارة إطفاء واحدة حضرت إلى موقع حريق بهذا الحجم؟ أين بقية الآليات؟ أين سيارات الإسعاف الفوري؟ أين الطائرات المروحية القادرة على دعم جهود الإنقاذ والإطفاء في وقت واحد؟.
إننا بحاجة إلى إجراءات حقيقية، لا ورقية، في مراقبة إنشاء الأبنية العامة، بما يضمن توفر شروط السلامة كجزء لا يتجزأ من تراخيص البناء والتشغيل، كما أننا بحاجة إلى تخصيصات مالية حقيقية لتأمين سيارات الإطفاء، وعجلات الإسعاف، والطائرات المروحية، على مستوى كل محافظة، فحماية أرواح الناس أولوية عليا، لا تقبل التأجيل أو التبرير.
إن ما حدث في الكوت يمثل جرس إنذار خطير ولكنه متكرر! فإما أن نستجيب له الآن، ونمنع تكرار هذه الفواجع المؤلمة، أو نظلّ نعد موتانا، ونردد بأسى: ولات حين مندم.