
كتب علي الخفاجي: انتشر مقطع فيديوي قبل أيام للممثل العالمي الشهير (ريتشارد غير) وهو يقرأ قصيدة للشاعر محمود درويش، ليعبر فيه عن تضامنه ودعمه للشعب الفلسطيني، حيث اختار مقاطع من القصيدة والتي قال فيها؛ لو أنت تخوض حربك فكر بغيرك .. لا تنسَ من يطلبون السلام، وأنت تعود إلى بيتك فكر بغيرك .. اتنسَ قوت الحمام، لا تنسَ شعب المخيمات.. وأنت تحضر فطورك فكر بغيرك، وأعقب بعد نهاية القصيدة بالقول لعل وعسى أن تكون هذه الأبيات الشعرية سبباً لإيقاف الحرب على غزة.
منذ انطلاقها، قُمعت وانتُهكت الكثير من المحرمات، لم تراع المناشدات ولا الاستنكارات ولا المطالبات بإنهائها، بل ولم تُسمع بالمرة، إنها حرب لم تبق ولم تذر، سقط على إثرها آلاف من الأبرياء وهدمت المدارس والمستشفيات والمعابد، نتيجة غطرسة الكيان الصهيوني وعناده المستمر وإصراره على شن الحملات العسكرية، فتلك الحملات لم تنقطع منذ سنة 1948 ولغاية الآن، بقصد التغيير الديموغرافي وبالتالي استرداد حقهم بأرض فلسطين حسب النص التوراتي على حد وصفهم، نعم إنها حرب 7 أكتوبر والتي تعتبر الرابعة على غزة بعد حرب 2008 و2012 و2014، المتتبع لبداية الحرب والمستقرء لأوضاعها العامة يلاحظ، ومن خلال التصريحات الرسمية “الإسرائيلية” بأن أمد الحرب على غزة سيطول ولفترة زمنية كبيرة، وهذا ما كان متوقعاً لأنه وبالتحديد في أواسط شهر أكتوبر من العام الماضي، صرح رئيس الكيان الصهيوني نتنياهو، بأن الحرب على غزة لم تستهدف المنشآت والبنى التحتية فحسب، بل ستحمل الكثير من المفاجآت وتصفية أكبر قدر ممكن من قيادات حماس وستطول كثيراً، بالتأكيد مثل هكذا تصريح لم يكن تصريحاً عبثياً أو تصريحاً غير مدروس، لأنه وحسب ادعاء نتنياهو بأن حرب 2014 على قطاع غزة لم تأت ثمارها، وبالتالي علينا ألّا نكرر أخطاءنا مرة أخرى في إشارة منه إلى تدمير أكبر قدر ممكن من الممتلكات والأنفس، وبما أنها كذلك وبقبول وتأييد ضمني من قبل الأنظمة الكبرى، أسفرت الاعتداءات الممنهجة والمستمرة على قطاع غزة لقتل أكثر من ثمانية وخمسين ألفاً وتهجير عشرات الآلاف وتدمير مئات المباني والمستشفيات، فالطرقات والمباني رسُمت عليها ملامح البؤس مولدة كارثة إنسانية غير مسبوقة، يضاف إليها التجويع المتعمد الذي يعانيه سكان القطاع منذ أشهر.
ازدواجية الوصف والتعبير التي كنا نسمع بها أصبحنا نعيشها اليوم، فالشعارات الجوفاء التي سئمنا من سماعها ما عادت تكفي لإنهاء حرب ما زالت مستمرة منذ قرابة السنتين، وهنا على المجتمع الدولي أن يعي جيداً بأن الحلول العسكرية التي دائماً ما كانت تتصدر المشهد لم تولد إلا الدمار وتهديم المقدرات، وكما على أصحاب القرار أن يجددوا مواقفهم الداعية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، الذي طالما تعرض للظلم والإبادة منذ سنين طوال، ما نشاهده من ويلات ومصائب قد صبت على مواطني غزة، من دون اتخاذ موقف حاسم وجاد من قبل جميع المعنيين دون استثناء، تعتبر ندبة في ضمير الإنسانية لا يمكن نسيانها أو التغاضي عنها.
وللحد من المعاناة الأبدية التي يعيشها الفلسطينيون، لا بد من حلٍ سياسي شامل وكامل، دون قيدٍ أو شرط، ولا يكون هذا الأمر إلا بالتوصل إلى هدنة دائمة غير مؤقتة بين الفصائل الفلسطينية والكيان الصهيوني، مشفوعة بتعهدات حقيقية وضمانات دولية من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة وجميع الأطراف الفاعلة.