مقالات
أخر الأخبار

دروس حرب غزة البليغة

كتب عبد الأمير المجر.. هل قدّمت حرب غزة دروسا ينبغي الإفادة منها؟ الجواب: نعم، دروس كبيرة ولجميع الفرقاء، وليس لطرف دون آخر.

ويجب أن يستفيد منها الجميع أيضا، بعيدا عن معادلة الرابح والخاسر، لأن ما حصل أنبأنا، ومن دون مواربة، أن الجميع خسروا، وأن ما تم هدره من أرواح وأموال، وما رافق هذه الخسائر من قلق وخوف وفقدان الأمل، يصعب تعويضه، إلاّ إذا تم تحويله إلى دروس استراتيجية يجب أن يقرأها الجميع بدقة، لكي لا تتكرر المأساة، ولا نجد أنفسنا في حلقة مفرغة من رعب لا ينتهي.

عالم اليوم ليس كعالم قبل أربعين أو خمسين سنة، بل حتى قبل عقدين، لأن تقنية السلاح تقدمت بشكل كبير، والحصول عليه أو صناعته لم تعد مشكلة، إذ بات بإمكان أية دولة صغيرة أن تحصل، من خلال المال، على ما تريد من تقنيات السلاح، وتستطيع أيضا أن تستأجر علماء وتصنّع مختلف الأسلحة.

وزمن الجيوش الكبيرة والمكلفة قد ولّى، ووفقًا لهذه المعطيات، فإن حروب اليوم باتت أسهل تقنيا وأكثر كلفة بنتائجها على الأرض من حيث الأرواح والمعدات العسكرية والمدنية معا، وهي ايضا باتت أشبه بعملية انتحار جماعي متبادل تقوم به مجموعة ضد مجموعة أخرى، أو هكذا صرنا نرى حمم الموت وهي تنزل على رؤوس الناس المذعورين، وهم في الملاجئ التي لم تعد قادرة على توفير كمية الأمان المطلوبة، بعد أن أصبحت الصواريخ تحفر عميقا في الأرض وهي تفتش عن ضحاياها، ناهيك عن دخول عامل الذكاء الاصطناعي، وكيفية استثماره في ملاحقة الناس وقتلهم وهم في أماكن متمنعة وبعيدة.

هذه المعطيات ينبغي، بل يجب، أن تكون دروسا بليغة لكل من يفكر بإشعال حرب أو تركبه شهوة الانتقام، ويدخل الناس معه في حرب لم تعد لهم فيها مصلحة، إن كانت فيها سابقا مصلحة لدولة أو شعب على حساب آخر، وفقًا لتقديرات الدول المتكالبة على المغانم آنذاك، لا سيما بعد اكتشاف الثروات الطبيعية كالنفط وغيره من المعادن، وغياب القوانين الدولية الضامنة لحقوق الشعوب والدول في القرن الماضي وقبله.

وعليه، يمكن فهم أسباب تلك الحروب وفقا لمنطق عصرها في تلك المراحل، لكن أن يعتقد أحدٌ بأن هناك مبررا للحروب اليوم، فهذا ما لا يتقبله المنطق نفسه.

لقد أيقنت إسرائيل أنها لن تستطيع أن تسيطر على أي شعب بقوة السلاح، وإن امتلكت الأقوى فيه، لأن الأرض تبقى بيد أهل الأرض ولا بد من مغادرتها، وأن حرب غزة أثبتت، رغم فجائعها الكبيرة، أن كلفتها باهظة، ولا بد من مغادرة غزة مهما طال المكوث العسكري فيها.

وفي المقابل، على الأطراف الأخرى، في فلسطين وغيرها من الدول المعنية بالصراع، معرفة أن المقاربة العسكرية لم تعد الخيار الأمثل لإنهاء الصراع، لأنها تعيد إنتاج المشكلة وتضخ فيها الحياة باستمرار، ولم تنهها، وقد أدرك ذلك الجميع أيضا. ولا بد من مقاربة واقعية تنهي هذا الصراع بما يضمن حق الجميع في العيش المشترك، ووفقًا للقوانين والأعراف الدولية. ولعل الأهم الذي علمتنا إياه التجربة المريرة التي عشنا جميعا فصولها، أن حوار عشرين عامًا خيرٌ من حرب يوم واحد، وأن دروس غزة يجب أن يقرأها الجميع في المنطقة وغيرها من بقاع العالم، الذي بات اليوم أصغر بكثير من قرية!.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى