
كتب حسين علي الحمداني.. مثلت فتوى الجهاد الكفائي التي أعلنتها المرجعيَّة الدينيَّة العليا في النجف الأشرف في حزيران 2014 نقطة تحول كبيرة في صراعنا مع القوى الإرهابيَّة التي عاثت في الأرض فساداً، فكانت هذه الفتوى المباركة بمثابة ثورة عظيمة قدر لها أن يبدأ معها تاريخ جديد للعراق الذي قدم شعبه تضحيات كبيرة من أجل الحرية .
ما دفع المرجعيَّة الرشيدة لإصدار هذه الفتوى عوامل عديدة أهمها ثقتها بأنَّ الشعب العراقي بجميع أطيافه سيلبي النداء دفاعاً عن العراق المهدد من قوى ظلامية إرهابية، وهذا ما جعلنا نرى أن من لبّى النداء كل أبناء العراق بما فيهم المسيحيون، ومن ثمَّ فإنّ ثقة المرجعية العليا بالشعب العراقي كانت في محلها خاصة وأنها مبنية على أسس وطنية وليست جهوية أو طائفية كما حاول البعض تصويرها فكان ردّ الشعب العراقي رسالة قوية على وحدته ووطنيته وتصديه لكل مشاريع التخريب والتفرقة.
العامل الثاني يتمثل بأن هذه الفتوى أسقطت كل مراهنات الأعداء من كان منهم في الداخل أو الخارج على تقسيم العراق، لأنها حفظت وحدة العراق أرضاً وشعباً ومن ثمَّ كانت ضربة موجعة لأعداء البلد الذين لم يدر في تفكيرهم أن تصدر هذه الفتوى من جهة، ومن جهة ثانية الاستجابة الفورية والسريعة لها من قبل العراقيين بكل أطيافهم وهو ما أضفى عليها الطابع الشعبي المقترن بالوطنية الحقيقية الساعية لحفظ الوطن وطرد الغزاة الأشرار.
ومن نتائجها الأوليّة كانت رفع الروح المعنوية للقوات المسلحة سواء الجيش أو الصنوف الأخرى من شرطة محليّة وشرطة اتحادية وغيرها، حيث وجدت هذه التشكيلات من يساندها ويقف بجانبها في تلك الأيام، مما جعلها تعيد تنظيم نفسها بسرعة مستمدة الدعم والعون المعنوي من ملبي نداء المرجعية الرشيدة. وأيضا رفع الروح المعنوية لسكان المناطق التي تعرضت للاحتلال من قبل القوى الإرهابية.
وهذا ما يدفعنا للقول إن فتوى الجهاد الكفائي كانت تحمل عدة رسائل، أبرزها أن على الشعب أن يدافع عن بلده ومنجزاته وسيادته أمام هجمات الأشرار ومن يقف معهم، وهذا ما تجلى بوضوح بعد ساعات قليلة من جمعة الرابع عشر من حزيران عام 2014 فعندما أكمل المصلون صلاتهم اصطفوا جماعات وأفراداً لتلبية النداء فكانت أولى الرسائل قد وصلت لمن يجب أن تصل لهم.
أما الرسالة الثانية فكانت صريحة وواضحة أن العبث بأمن العراق وحدوده الجغرافية وسيادته خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو العبث به تحت أية ذريعة أو عنوان .
الرسالة الأكبر كانت موجهة لكل العالم أنّ المرجعية العليا في النجف ألأشرف هي صمام أمان لكل العراقيين وليست مختصة بالشيعة فقط بدليل أن فتوى الجهاد الكفائي لم تقتصر على شيعة العراق بل كان بين الصفوف حشد وطني من المناطق الغربية ومن المسيحيين وبقية الطوائف الأخرى التي جمعتها راية العراق ومسارات دجلة والفرات، ومن ثمَّ أثبتت المرجعية الدينيّة أنها لكل العراقيين ولا فرق بين عراقي وآخر إلا بمدى حبه وإخلاصه لهذا البلد العظيم.
لهذا هي لم تكن فتوى فقط، بل ثورة ورسائل للعالم أنّ شعباً وبلداً عمقه يمتدُّ إلى جذور بعيدة تتعدى سبعة آلاف سنة قادر على صد هجمات الهمج القادمين من خلف الحدود وطردهم وتحرير أرض الرافدين من دنسهم، فكان النصر حليفنا لحظة استجابة شباب العراق لفتوى الجهاد، في هذه اللحظة التاريخيَّة كتب الله النصر لشعب آمن بالله وتوكل عليه، وآمن بوحدة العراق أرضاً وشعباً.