مقالات
أخر الأخبار

تستحق البكاء

كتب طالب سعدون.. صور مأساوية كثيرة خاصة في الحروب تظل محفورة في الذاكرة تتناقلها الاجيال وتسطرها الكتب وتعرضها الأفلام وتقص حكاياتها الروايات والقصص، توثق الحروب ودمارها وتؤرخ جرائم مروعة ضد الانسانية من اعدائها، عدت في وقتها من الصور الاكثر بشاعة والاوسع انتشارا وتأثيرا في العالم، منها صور تتعلق بالحروب الامريكية وهي كثيرة، واحدة منها التقطها المصور (جيود ونيل)، الذي ارسلته القوات الامريكية إلى اليابان لتوثيق مشاهد الذعر لدى اليابانيين واجواء الحرب والموت التي سببتها القنابل الذرية في عام 1945.

الصورة كانت لطفل بعمر عشرة اعوام وهو يحمل على ظهره اخيه الميت وكان في حالة من التماسك واخفاء الحزن والالم لولا حركة فمه وهو يضغط على شفته السفلى بقوة، سال منها الدم وينظر بحرقة عندما القى رجال يرتدون اقنعة بيضاء جثة أخيه في المحرقة وهو واقف وقفة عسكرية ربما تعلمها من المحاربين في قريته.

وفي خضم الحملة العسكرية اليابانية عام 1937 على الصين، وثق الصحفي الصيني ( وانغ) صورة رضيع شنغهاي الذي جلس باكيا، وهو يعاني من حروق بليغة، بمحطة القطار على إثر قصف جوي شنته الطائرات اليابانية على المدينة، كان لها فعل مؤثر صدع العالم وقد اطلع عليها في حينه ( 132 ) مليون شخص ووصفت بأسوأ وأتعس صورة بالتاريخ البشري.

العالم إلى اليوم يتذكر مثل هذه الاحداث التي وثقتها صورة واحدة، وهذا العالم نفسه ايضا يشاهد على الهواء باللحظة بالصوت والصورة الحية جريمة الابادة الجماعية، التي يرتكبها الكيان الصهيوني من مدة طويلة ضد غزة راح ضحيتها الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ ولم يتحرك العالم لا يقاف هذه الجريمة في مسلسل يومي متواصل ضد الملايين من المدنيين بإصرار غريب على ابادتهم بالقتل والجوع ولا فرق بين الوسيلتين ما دام الهدف واحدا.

ما أكثر الاطفال الغزاويين الذين ماتوا في عمليات وحشية قذرة واخرين وجدوا انفسهم في العراء أو بين الانقاض بلا عائلة، بلا أب ولا أم وهم بأعمار صغيرة أو رضع.

أسر أنهاها العدوان الصهيوني بالكامل، الدكتورة آلاء النجار صاحبة الرقم الاعلى بين الامهات الفلسطينيات الثكالى بأطفالهن والاكبر نصيبا من المأساة والجرائم الصهيونية ضد الطفولة، فقد فجعت بتسعة من أولادها العشرة، وهي تمارس عملها الانساني في احد المراكز الصحية في خان يونس بإسعاف الجرحى والمصابين (اكبرهم بعمر 12 سنة واصغرهم رضيع بعمر ستة شهور )، وقد تحولوا إلى جثثت محترقة، بعضها بلا رؤوس واخرى بلا معالم والعاشر كانت اصابته بالغة افقدته الوعي وقد نقله والده الطبيب حمدي النجار إلى العناية المركزة، وكان معهم في المنزل المستهدف لحظة الجريمة التي قام بها العدو الصهيوني بتكنولوجيا دقيقة جدا يعرف من خلالها من في المنزل ( اطفال واب )، وعندما لم يحقق هدفه في الصاروخ الاول ألحقه بآخر ساوى المنزل بالأرض، يا لها من جريمة بشعة.

ما من شك ان هذه الجريمة البشعة تؤكد أن الطفولة كانت ولا تزال من اهداف العدو الصهيوني (الاستراتيجية )، كما يحارب الانسانية باستهداف احد رموزها وهو الطبيب والمستشفى والمركز الصحي.

ومما يعزز ذلك دعوة رئيس حزب (ريهوت) الاسرائيلي وعضو سابق في الكنيست عن الليكود الذي يرأسه نيتنياهو للتخلص من الاطفال والرضع في غزة، حيث قال في حديث للقناة (14) العبرية ( كل طفل.. كل رضيع في غزة هو عدو) وفق تعبيره.

قصص مؤلمة لا يتمالك الانسان نفسه فيمنعها من البكاء، طبيبة امريكية بكت وأبكت الحاضرين معها، وهي تروي شهادتها المؤلمة عن اطفال غزة ومعاناتهم، وهم يواجهون القتل وعوائل فقدت بالكامل ولم يبق منها احد.

وطبيبة امريكية أخرى ايضا انهارت بالبكاء في جلسة للأمم المتحدة وهي تروي ما شاهدته في غزة من فضائع وجرائم ضد الانسانية، لا يكفي فيها الشجب أو الادانة أو التعبير عن القلق، بل بحاجة إلى مواقف من العالم لإيقاف هذه المجزرة ضد شعب يموت جوعا وقتلا.

وفي جلسة مجلس الامن الاخيرة أجهش مندوب فلسطين في الامم المتحدة بالبكاء اثناء حديثه عن معاناة اطفال فلسطين في غزة، الذين تلتهمهم النار والجوع حيث استشهد 18 الف طفل.

هذه ليست مجرد ارقام بل أرواح وأصوات وأحلام على حد تعبير السفير الجزائري في كلمته في الجلسة نفسها، وطالب فيها المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته ازاء هذه الجرائم التي ترتكب بحق الاطفال الذين سرقوا منهم احلام الطفولة وغابت صورهم وهم يحملون حقائب المدرسة على ظهورهم وحلت محلها صورهم وهم يحملون امتعتهم على ظهورهم متنقلين من خيمة إلى اخرى تحاصرهم قوات الاحتلال بالنار والجوع.

غزة وثيقة ادانة ستبقى حية يقرأها العالم لن تسقط بالتقادم، تجاوزت كل حروب التاريخ وما نقل عنها من صور وروايات لا تشكل شيئا امام بشاعة ما تعرضت له غزة على مدى اشهر قتلا وجوعا ودمارا، وكيف تواطأت قوى الشر عليها وسكوت العالم عما يجري ضد الطفولة والانسانية ومع ذلك انتصرت غزة باهلها واطفالها..ولن يفلت احد من حساب التاريخ.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى