
كتب محمد صالح صدقيان.. كان من المفترض ان تعقد الجولة الرابعة من المفاوضات الايرانية الامريكية يوم السبت الفائت في العاصمة الايطالية روما، استنادا للتاريخ الذي اعلنه الوسيط العماني بعد التشاور مع الجانبين الايراني والامريكي؛ لكن الوسيط ابلغ الجانب الايراني الاربعاء الماضي بتأجيل الاجتماع لأسباب “لوجستية” دون ان يعطي تفاصيل اكثر.
هذا الخبر اثر ايضا على اجتماع الترويكا الاوربية التي قررت قبول الدعوة الايرانية للاجتماع يوم الجمعة اي قبل 24 ساعة من الجولة الرابعة لكن الاجتماع على اهميته تأجل ايضا استنادا على ذلك.
الوسيط قال اسباب “لوجستية”. الجانب الايراني ندد بالعقوبات حيث اصدرت وزارة الخزانة الامريكية وجبتين من العقوبات على شركات ايرانية وأخرى متعاونة مع ايران لتصدير النفط الايراني منذ بدء المفاوضات في 19 ابريل الفائت، وهذا ما ازعج طهران التي طالبت بتعزيز الثقة والكف عن فرض المزيد من العقوبات، لأنها لا تعطي اشارات ايجابية على حسن النوايا؛ اما الجانب الامريكي فإنه قال بأنه لم يعطِ موافقته على موعد الثالث من مايو لعقد الجولة الرابعة من المفاوضات؛ لكن المصادر تحدثت ان التأجيل جاء بطلب واشنطن لأسباب متعددة منها؛ التغيرات التي شهدتها الادارة الامريكية بعدما تم اقالة مستشار الامن القومي الامريكي مايك والتز، وتعيين وزير الخارجية ماركو ربيو مستشارا للأمن القومي بالوكالة. اضافة الى ذلك أن الادارة تريد ممارسة المزيد من الضغوط على المفاوض الايراني، لأن جميع المصادر تحدثت عن اهمية هذه الجولة بعد أن تمت مناقشة العديد من المواضيع المتعلقة بطبيعة البرنامج النووي الايراني.
خطوة التأجيل حملت مؤشرات سلبية على جدية الجانب الامريكي في الاستمرار في المفاوضات؛ لكنها كانت مفيدة لحاجة الجانبين الايراني والامريكي لمثل هذه الوقفة الزمنية لدراسة مواقفهما قبل الدخول في الجولة الرابعة الحاسمة كما وصفتها المصادر؛ خصوصا وأن موعد زيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب أصبحت قريبة في الثاني عشر من مايو الجاري للرياض والاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث يحرص الرئيس ترامب أن يضع حل المسالة الايرانية على الطاولة عندما يجتمع بنظيره الروسي اضافة إلى حل المسالة الاوكرانية وقضية غزة؛ لأنه لا يريد أن يجلس على الطاولة خالي اليدين وانما يريد ان تكون المئة يوم الاولى من رئاسته تحمل انجازات مهمة خصوصا في ما يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط التي خصها بهذه الزيارة.
إقالة مايك والتز الذي يعتبر من المتشددين حيال المفاوضات مع ايران، والذي يدعم الحل العسكري حيالها اعتبر ليس لصالح ايران بقدر ما هو لصالح خيار المفاوضات لأن الخطوة ستساعد المفاوض الأمريكي أن يتحرك بحرية اكبر لما لمستشارية الامن القومي من تأثير كبير على مثل هذه الملفات. يبقى وزير الخارجية ماركو روبيو المستبعد عمليا من الملفات الساخنة، التي اعطيت لويتكوف فهو اما أن ينسجم مع أفكار وتصورات الرئيس ترامب؛ أو يقدم استقالته قبل ان يقدم الرئيس ترامب بإقالته كما فعل مع ريكس تيلرسون، الذي عين محله مايك بومبيو.
هذه الأجواء الضبابية التي يكتنفها الغموض بشأن مسار المفاوضات تحدثت مصادر عن احتمال افول رساميل ويتكوف لصالح روبيو، الذي أخذ على عاتقه مسك ملف المفاوضات لأنها وصلت لمرحلة حاسمة تتعلق بأنشطة تخصيب اليورانيوم وعدد وانواع اجهزة الطرد المركزي التي تقوم بأنشطة التخصيب؛ اضافة الى تشغيل محركات جماعات الضغط في داخل الولايات المتحدة وفي خارجها للتأثير على المفاوضات وعرقلة نتائجها بذريعة انها لا تتناسب مع مصالح الولايات المتحدة.
وفي حقيقة الأمر فان هذه المفاوضات كانت ولا تزال تواجه ثلاثة تحديات مؤثرة وقوية.
الاول: الاصطفاف داخل الادارة الامريكية بين من يؤيد الخيار السياسي الدبلوماسي، الذي مثله مبعوث الرئيس ترامب للشرق الاوسط استيف ويتكوف ونائب الرئيس جيه دي فانس، مقابل مستشار الامن القومي المقال مايك والتز؛ ووزير الخارجية ماركو ربيو؛ ووزير الدفاع بيت هيغسيثي؛ حيث يميل الرئيس ترامب للفريق الاول.
التحدي الثاني: كيان الاحتلال الاسرائيلي الذي لا يريد المفاوضات مهما كانت النتائج وأنه لا يقبل أقل من تفكيك البرنامج النووي الايراني؛ والايمان المطلق بالخيار العسكري بدلا من خيار المفاوضات. هذا الكيان له من يدعمه ويناصره في داخل الولايات المتحدة واهمهم اللوبي اليهودي “ايباك” الذي يمتلك نفوذا كبيرا جدا داخل مؤسسات القرار في الولايات المتحدة وتحديدا داخل الادارة الامريكية.
اما التحدي الثالث فهم الاصوليون المتشددون المعارضون للمفاوضات مع الولايات المتحدة في الداخل الايراني؛ لانهم يعتقدون ان هذه المفاوضات مضيعة للوقت وأنها لا تهدف سوى للقضاء على النظام السياسي في ايران.
محركات هذه التحديات بدأت بالعمل بقوة خصوصا داخل الولايات المتحدة من أجل ايقاف المفاوضات واللجوء للخيار العسكري كما يريدها كيان الاحتلال واللوبي اليهودي “ايباك”. هذا اللوبي يروج الى أن الادارة الامريكية لديها “بـلان بي” وهو الخيار العسكري الذي سوف تستخدمه بعد اشغال الايرانيين بـ “بلان اي».
الفائدة التي تحدثت عنها من تأجيل الجولة الرابعة هي بلورة الموقف الامريكي الشفاف، ليكون المفاوض الايراني على بينة من أمره ماذا يريد؟ وماذا يجب أن يعمل؟ في الجانب الأمريكي أيضا يجب أن يعرف ماذا يريد الإيراني؟ في التخصيب؛ وفي أجهزته؛ والكمية المخصبة إضافة إلى “قضية القضايا” وهي ازالة العقوبات التي دخل من اجلها هذه المفاوضات.
الاعتقاد السائد أن المفاوضات يديرها مساران. الاول مبعوث الرئيس ترامب للشرق الاوسط استيف ويتكوف في صالة المفاوضات؛ في حين يقود المسار الثاني رئيس الوزراء الاسرائيلي ينيامين نتنياهو وهذا ما مخطط له من قبل الرئيس ترامب للوصول الى نتائج على مقاساته.
اما الجانب الايراني فإنه ربط أي خطوة أو أي اتفاق دائم أو مرحلي بالعقوبات “خطوة خطوة” لأن القيادة الايرانية، التي وافقت على دخول هذه المفاوضات كانت تهدف بالأساس ازالة العقوبات وليس اي امر اخر فهو الهدف الاستراتيجي التي تبحث عنه في هذه المفاوضات.
وفي نهاية المطاف فإن الجانبين يدركان ان التوصل لاتفاق يعني دعم الأمن والاستقرار في المنطقة والعكس صحيح.