مقالات
أخر الأخبار

اللهاثٌ خلف (الترند)

كتبت شفاء الكناني .. حين تهتزّ القيم على إيقاع “التريند” وتغدو الخصوصية سلعة، يصبح لزامًا علينا أن نتوقف ونُفكّر.

جميعنا يدرك أن المرأة العراقية، خصوصًا الجنوبية، لم تكن يومًا كائنًا هشًّا أو تابعًا… بل كانت أسطورة شامخة، قامت بدور الرجل والمرأة في آنٍ واحد.

يوم رحل زوجها إلى سوح المعارك، لم تنهار، بل وقفت، تمسكت بالحياة بكرامة، وواجهت العوز بجبينٍ مرفوع.

تميّزت الجنوبية بـ”النعي الجنوبي”، ذاك البكاء العميق الصامت، الممتلئ وجعًا وكرامة.

صوتٌ لا يُمثل ضعفًا، بل امتداد لجرحٍ ورثته الأجيال، وجعٌ لا يحتاج كلمات، بل تقرأه الأرواح.

لكن اليوم، وسط صخب “التريند” وعالم تحكمه خوارزميات الذكاء الاصطناعي، تغيّرت الملامح.

صرنا نشاهد نساءً – بعضهن لا كلهن – يركضن خلف الشهرة والمشاهدات، يتاجرن بالدمعة، يستعرضن الحزن المصطنع، ويُمارسن الانفعال المبرمج لا لشيء سوى “لايك” أو “مشاركة”.

 

الذكاء الاصطناعي لا يُدرك الفرق بين دمعة نابعة من عمق الفقد، ودمعةٍ صممت لتناسب خوارزميات الانتشار هو لا يشعر، لا يتفاعل مع الصدق، بل مع التكرار والإثارة. وبينما تحتسبه المنصات أداة “ذكية”، يُفرّغ الذكاء من الإنسانية، ويُفرّغ القيم من معناها. وهنا يتجلّى السؤال:

 

هل يمكن لخوارزمية أن تفهم الحياء؟، هل تستطيع آلة أن تفرّق بين نعيٍ يملأ الذاكرة الجمعية، وبين عرضٍ مصطنعٍ يبحث عن التفاعل؟.

 

وسائل التواصل لم تكن عدوًا للقيم، لكنها بيد من لا يؤمن بها، صارت سلاحًا للهدم. المرأة التي كانت تحفظ كرامتها في زاوية بيتها، باتت تُقاس بمدى رواجها، لا بمقدار صمودها.

تُطل علينا اليوم وجوهٌ من خلف الشاشات، امرأة ترتدي تجاعيد الزمن، تُقلّد، تُبالغ، وكأنها تستنجد من خلف الضوء الأزرق. فهل هو تمرّد على الواقع؟ أم أن سُكر اللايكات أذاب وقار السنين؟. أم أن هناك حربًا ناعمة تسرقنا دون أن نشعر، نُحاصر فيها بقوالب لا تشبهنا، وأدوارا لا تمثّلنا؟، أسئلة كثيرة تطرق أبواب وعينا بصمت: هل نحن نعيش ما نريد؟ أم أصبحنا أدوات في يد خوارزميات لا تفهمنا؟، لكن رغم كل شيء، يبقى الأمل. لأن الإنسان لا يُختصر في منشور، ولا يُقاس بحجم التفاعل، ولا تُقيّمه آلة.

 

الحياء لا يُفلتر، والكرامة لا تُبرمج، والمرأة العراقية لا تُقلَّد… بل تُحترم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى