مقالات
أخر الأخبار

«العمال الكردستاني» يلقي السلاح

كتب عبد المنعم علي عيسى.. أعلن عبدالله أوجلان الزعيم التاريخي لـ”حزب العمال الكردستاني” يوم 27 شباط الفائت، عن حل هذا الأخير من الناحية الإديولوجية، وقال في بيان “ إن فكرة الدولة القومية المنفصلة والفيدرالية والحكم الذاتي والإداري والحلول الثقافية، التي هي نتيجة الإنجراف القومي المتطرف، لم تعد تجيب عن أسئلة السوسيولوجيا التاريخية”.

ولعل أكثر ما يجب التوقف عنده هو استحضار مصطلحات فلسفية من نوع”السوسيولوجيا”، التي قصد بها هنا التغيرات التي طرأت على المجتمع الكردي وكانت بدورها ذات تداعيات على الأفراد، كنوع من التبرير للقرار القاضي بإلقاء السلاح بعد نحو 41 سنة على قراره بتبني شعار” الكفاح المسلح” سبيلا وحيدا “لنيل الحقوق القومية المشروعة” وفقا لما جاء في البيان الصادر عن الحزب، يوم 15 آب 1984، والذي تبنى فيه العمليتين العسكريتين في “ أوره” و” شمندنيلي” بجنوب تركيا، اللتين أسفرتا عن مقتل جنديين تركيين وتسعة من المدنيين، وفيما بعدها سالت دماء كثيرة على ضفتي الصراع التركي – الكردي، الذي يأمل أن يكون البيان الصادر عن الجناح الإعلامي بالحزب، يوم 6 تموز الجاري، والقاضي بـ”حل الحزب، وحرق الأسلحة التي بحوزته”، تأكيدا عمليا لقرار عبد الله أوجلان سابق الذكر .

تأسس “حزب العمال الكردستاني شهر تشرين ثاني من العام 1978، كردة فعل على معاهدة “ لوزان “ 1923، التي استطاع مصطفى كمال أتاتورك، أول رئيس للجمهورية التركية بعد إلغاء” دولة الخلافة”، فرضها على الأوروبيين بعد نجاحه في اجتراح معادلات عسكرية جديدة قادت إلى قبول هؤلاء بإلغاء اتفاقية” سيفر” 1920، التي سبق له وأن وصفها على إنها “ قرار بإعدام تركيا”، والجدير ذكره هنا أن هذه الإتفاقية الأخيرة كانت قد أقرت قيام “ دولة كردية” على أجزاء من تركيا وإيران والعراق، في حين انتفى “الإقرار” المذكور في اتفاقية “ لوزان”، التي شكلت في حينها انتصارا جيوسياسيا كبيرا لأنقرة ولا تزال مفاعيله قائمة حتى الآن على الرغم من انقضاء مدة ال 100 عام التي جرى تحديدها في بنود الإتفاقية، وعليه فقد هدف أوجلان، من خلال تأسيسه لحزب “ العمال الكردستاني”، إلى جعل الأكراد لاعبا أساسيا في المنطقة، ورقما مهما من الصعب تجاهله في حسابات هذي الأخيرة، والسؤال الآن هو : ما الذي دفع بأوجلان إلى ما ذهب إليه؟ ثم هل كان القرار بـ” حل الحزب” هو نتيجة اعتراف بخطأ المسارات والرؤى والأهداف؟ وإذا ما كان الأمر كذلك، فلماذا طال الوقت للاعتراف بأمر من هذا النوع الذي يترتب عليه تبعات مصيرية بالنسبة لشعب كان قد انساق، بكتلة وازنة منه، نحو الخيارات التي رسمها له ودفع في سياقها أثمانا باهظة؟ .

شكل حزب” العمال الكردستاني” مزيجا فكريا ما بين القومية الكردية وبين “الثورية الإشتراكية”، وفي أدبياته التي تبناها منذ نشوئه جاء أنه “ يسعى لإقامة دولة ماركسية لينينية في كردستان”، ولعل التبني، آنف الذكر، كان وليد الظروف الدولية التي كانت سائدة زمن النشوء، انطلاقا من نظام “ القطبية الثنائية” الذي كان الاتحاد السوفيتي ممثلا للقطب الشيوعي فيه، في مواجهة القطب الأخر الأميركي، وبعيد سقوط ذلك القطب، السوفيتي، العام 1991، وتفككه إلى دويلات، شهدت الأيديولوجيا الماركسية تراجعا كبيرا، بل إن الفعل عينه انطبق على معظم الأحزاب الأديولوجية، حتى أن بعض منظري الغرب كانوا قد أطلقوا نظريات من نوع “ نهاية عصر الأيديولوجيات”، وهذا، من دون شك، كان قد أرخى بظلاله الثقيلة على حزب أيديولوجي، بل ويتبنى أيديولوجية ماركسية أثبتت فشلها، أقله في التطبيق العملي، ثاني الاعتبارات المحتملة هي أن التوازنات الدولية، والإقليمية، الراهنة باتت ضاغطة، سياسيا وعسكريا، على الحزب بدرجة لم يعد هذا الأخير قادرا على مواجهتها، وهو إنْ فعل سوف تكون النتائج المستحصلة بأثمان هي أعلى بكثير، مما لو كان القرار عكسيا، خصوصا لجهة تأثيراتها على “الحاضنة الشعبية” للحزب، ولذا فإن الاستجابة لموجبات تلك التوازنات، والضغوط في آن، قد يتيحان في سياقاته تغييرا للصورة النمطية، التي يختزنها الرأي العام في مخيلته تجاه حزب مصنف “إرهابيا” على أغلب اللوائح التي تتبناها الدول بهذا الخصوص، ومن الواضح إن الاعتبارات الثلاثة، التي تقف، على الأرجح، وراء قرار حزب “ العمال الكردستاني” حل نفسه و” حرق أسلحته”، هي من النوع المتغير، أو الظرفي، باستثاء الأولى التي تشير إلى انهيار المنهج الماركسي كنظام حكم بديل للأنظمة الرأسمالية الغربية، وعليه فإن من الصعب الآن النظر إلى تلك القرارات على أنها تمثل تحولا فكريا من النوع الذي يرسي لخيارات بعيدة المدى، وهي، على الأرجح، تأتي في سياق التكتيكات المرحلية، التي تفرضها ظروف ومعطيات معينة، ثم لا تلبث أن تتغير بتغير هذه الأخيرة، الفعل الذي يمكن أن يحدث فور حصول انزياحات وازنة على “صفيحة” التوازنات الدولية، والإقليمية، سابقة الذكر، والتي ستستدعي حتما حصول تغييرات إيجابية على “ الصورة النمطية” للحزب، وعندها لن يكون صعبا الإعلان عن “ ترميم” الطرقات الموصلة إلى “ جبال قنديل”، هذا إن طال الوقت بدرجة تستدعي القيام بفعل من ذلك النوع.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى