
كتب وليد خالد الزيدي: في عالم تتعاظم فيه الحاجات وتتعدد الطموحات وتزداد الابتكارات لتحسين أنظمة حياة المجتمعات وتوسيع قدرات التكامل التي تسعى إليها حكومات الدول، لإنعاش رئات اقتصاديات شعوبها بالمزيد من ركائز التطور والنماء، لاسيما في مسألة حلحلة الأزمات وتجاوز الضائقات الاقتصادية التي تقف بوجه طرق العيش، لكي تؤمن عوامل سلامة برامجها بعيداً عن الانزواء في مواقع هدر الطاقات وفوضى إدارة الثروات.
وفي أبرز صور نجاح الحكومات هو ما يمكن أن يتحقق في قضية الاكتفاء الذاتي من عناصر كثيرة مهمة وأساسية في هيكلية الحاجات التي تعتمد عليها لخدمة شعوبها، ومن خلال توسيع مساحة الاستثمار الأمثل لما متاح من ثروات وطنية كامنة حتى تتجاوز إشكالية تأمينها من الخارج، والذي دائماً ما يكون محفوفاً بالمخاطر حينما يكون عرضة للمساومات، وسبباً في فقدان جزء مهم من الاستقلال الاقتصادي للدول.
الاكتفاء الذاتي في بلدنا في أي قطاع حيوي هو هدف طموح وقابل للتحقيق، من خلال تطبيق برامج مبتكرة بالاعتماد على الثروات غير المستغلة، ووضع الخطط الطموحة لترتقي إلى مستوى الاستراتيجيات الحقيقية المستندة إلى إمكانيات واقعية في أرضنا المعطاء، والتي حباها الله تعالى بكل مقومات التنمية وأساسيات تحسين سبل الحياة والعيش الرغيد، إذا ما توفرت الإرادة الوطنية والعزيمة المتصاعدة والخطوة الواثقة والمسير المستقيم نحو تحقيق أمل الناس في استغلال ثروات بلدهم بشكل أمثل ومناسب، يجنِّبه ويلات الأزمات ومشكلات التحولات الاقتصادية التي تحدث في العالم بين فترة وأخرى.
وهذا ما نراه ماثلاً في بعض خطوات العمل الحكومي في الوقت الراهن، كتعزيز الإنتاج الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل الغذائية وتحسين طرق استغلال الموارد المائية وتطوير أنظمة إدارتها بكفاءة أكبر، من خلال ترشيد كميات المياه المستخدمة ومنع هدرها وتفعيل الطاقة الشمسية لتشغيل بعض أنظمة العمل، وتقليل نسبة الاعتماد على منظومة الكهرباء الوطنية المنتجة من طرق تقليدية باهظة الكلف.
وفي موقع آخر ما أكده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في ما يخص مكافحة البطالة وتشغيل الأيدي العاملة المحلية بدلاً من استيرادها من الخارج، توفير فرص عمل في مصانع محافظة المثنى الخاصة بإنتاج مادة السمنت التي بلغ فيها العراق مرحلة الاكتفاء الذاتي، لذا فإن زيادة إنتاج هذه المادة هو أبرز دليل على أن برامج العمل الحكومي تصبُّ في تأمين احتياجات السوق والتوفير في الكلف الباهظة التي تُثقل البلاد بمبالغ مالية ضخمة باستيرادها من الخارج، وفي ظلِّ ما يشهده العراق من عمل كبير لتنفيذ مشاريع خدمية وعمرانية تتطلب مختلف مواد الإنشاء لتغطية الحاجات المحلية إليها.
وهناك وجه آخر لمراحل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي باستغلال موارد البلاد، هو نشوء صناعة وطنية بمختلف المنتجات باستغلال كل ما متاح بالفعل من مواد أولية وأيدي عاملة، فضلاً عن منح فرص عمل للقطاع الخاص ومساهمته في ظل الانفتاح الحكومي عليه، باعتباره شريكاً أساسياً في قضية التكامل الاقتصادي وضمانه كشريك حقيقي مع مؤسسات الدولة للقيام بمختلف العمليات الإنتاجية، في ظل الاستحقاقات العمرانية والخدمية وتعزيز ثقة الحكومة به وبرجال الأعمال ودور الشركات العراقية للنهوض بصناعة وطنية، وخدمات في مختلف القطاعات.