
كتب طالب سعدون.. دخلت الاحزاب والشخصيات في حراك سياسي واجتماعي كبير في وقت مبكر قبل موعد الانتخابات البرلمانية لانتخاب البرلمان، الذي تنتظره مهمات فرضتها طبيعة المرحلة الجديدة، وهي مختلفة تماما عن سابقاتها، وظروف المواطن والتحديات التكنلوجية والسياسية والاعلامية وتصاعد دور الاعلام الرقابي وتوسعه بشكل كبير ليشمل وسائل التواصل الاجتماعي، وهي كثيرة لتكون شريكا له في صنع الراي العام وممارسة دور المعارضة التي قد غابت عن بعض برلمانات ( العالم الثالث ).
هذا الحراك لا يعني شيئا ان لم يسفر عن مشاركة كبيرة تختلف عن الدورة الماضية، لان التصويت في هذه الدورة سيكون مختلفا ايضا بسبب اهتمامات الناخب، وهو يستذكر امام صندوق الاقتراع طبيعة المرحلة الجديدة واشتراطاتها وطموحاته وهي متجددة.
سيكون للبرنامج الذي يستجيب لهما دور في ارتفاع نسبة المشاركة وانتخاب من يحققهما، وعندها ستكون المشاركة ليست حقا فقط وانما واجب ومسؤولية ايضا لانتخاب برلمان يواكب التحديات وحركتها التي تشمل العالم كله ويبعد اخطارها والسلامة منها.
العراق الان وسط ظروف اقليمية صعبة، وهو في قلبها، والبرلمان تقع عليه مهمة كبيرة للتعامل معها بما يبعده عن المخاطر، ويضمن سلامة الوطن والمواطن من تداعياتها في حالة امتدادها إلى ابعد من المتخاصمين. من جهة اخرى سيكون التصويت محاسبة للدورات السابقة ومدى قربها أو بعدها عن اداء مهماتها البرلمانية في التشريع والرقابة بعدم انتخاب من لم يمارس دوره ومهمته.
ويلاحظ ان هذا الحراك لم يقترب إلى الآن من طبيعة المرحلة الجديدة، يجري بالطريقة السابقة نفسها، وهي: التحرك الشخصي والزيارات واللقاءات مع الناس في مقدمتهم شيوخ العشائر والاقارب والمعارف والاصدقاء لضمان اصواتهم لقائمة أو شخص دون أن يقدموا عنوانا محددا يجمع مفردات برنامج الدورة الجديدة للبرلمان، برنامج يناسب المرحلة وحاجة الوطن والمواطن فيها، يكون قائما على رؤية واقعية تجسد روح المرحلة وتحدياتها وفي مقدمتها التكنلوجية و(الذكاء الاصطناعي) في تطبيقاته المتعددة التي غزت كل حقول الحياة ومنها السياسية وليس البرلمان بمنأى عنها. اذا كانت المراحل الماضية مرت بصيغة تقليدية روتينية في التثقيف والمشاركة التي تعد ركيزة اساسية في الديمقراطية، مرت دون عنوان مركزي وعناوين فرعية تتفرع عنه ويؤطر الانتخابات، فإن المرحلة الجديدة تحتم التغيير ليس في العنوان فحسب، بل في وضوح البرنامج واستجابته للحاجة والظروف الاقليمية والتعامل معها بما يبعد مخاطرها.
وتلك مهمة ليست سهلة أو روتينية كما هي الدورات السابقة، ينبغي الا يتصدى لها الا من تتوفر لديه قدرة على تحقيقها وتلك مهمة الناخب. ومن مفردات البرامج الحديثة مواكبة الرقمية التي اصبحت لغة العصر وامتلاك مفاتيح المستقبل، وهذا يستلزم خطة عمل تشرع من البرلمان تواكب حركة العالم في التحول الرقمي ووجود برلمانيين يقدرون هذا الدور ويعملون من اجله، الرقمية لم تعد ترفا أو لهوا، بل خيار وطني يضمن المكانة والمنافسة العالمية الحديثة القادرة على الابتكار والتواصل مع العالم الجديد أولا ونظام يعملون على تحقيقه من خلال تحويل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والخدمات إلى مفردات عمل وفقها.
رغم التقدم التكنولوجي الهائل في المجال الرقمي وثورة الاتصالات وتدفق المعلومات عن طريقها إلى اصحاب القرار بصورة مباشرة واسرع من نقلها عن طريق البرلمان وتحقيق التواصل بينهم، عن طريق ما يسمى بالديمقراطية التشاركية، لكن إلى الان تعد الديمقراطية التمثيلية هي الانسب إلى ان يأتي البديل الذي يراه عددٌ من المفكرين بتوسع هذه الاتصالات وامتدادها إلى المناطق الريفية والبعيدة والفقيرة لنقل راي المواطن مباشرة إلى المسؤول دون الحاجة إلى من يمثله، فلا تزال مناطق عديدة في العالم لم يصلها الانترنيت ( ووفق دراسة للبنك الدولي فان عدد المحرومين من الاتصال بشبكة الانترنت يقدر بحوالي 2.6 مليار شخص)، واخرى تعاني من الفقر الذي يسرق صوتها مقابل ثمن لبيع صوتها.
الديمقراطية ليست فوضى أو عملية غير منظمة عندما تسمح للجميع بالترشيح والكلام (وهذا ما يكون سمة الانتخابات في العالم النامي) ولكن بضوابط وبخلافها قد (تتحول إلى سباق للبلاغة ولفنون مخاطبة الجماهير) وليست برامج حياة ووسيلة تطور اساسية.
الاصلاح بما فيه البرلماني ينطلق من المواطن أولا وليس من النخب السياسية، وذلك بان يعطي الناخب الصوت لمستحقه وتلك مسؤولية وطنية وامانة ينبغي ان يؤديها بجدارة، وعندها يكون اعتراف المسؤول بفشله هو اتهام للناخب ضمنا بفشله في الاختيار.
دعوة مبكرة ليذهب الصوت إلى من هو الاجدر بحمله إلى من لديه مشروع كبير (وليس لديه علاقات اجتماعية واسعة ) لمواكبة روح العصر ومتطلباته وتحقيق تطلعات المواطنين، وتلك امانة في عنق الناخب ومسؤولية يتحملها النائب.