مقالات
أخر الأخبار

إيران.. بين الحرب السياديَّة والحرب العقائديَّة

كتب حيدر عبد السادة جودة.. كما هو معروف عن طبيعة المجتمع العراقي، فما إن يحدث شيء في العالم، باختلاف ما يكون عليه ذلك الشيء، فإنه سيتحول إلى موضوعٍ لنقاش العديد من الباحثين والفنيين والمحللين السياسيين وغير السياسيين، وذلك ما التمسناه في الحرب ما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والكيان الصهيوني المحتل، فجلُّ من نظر إلى هذه الحرب، قد نظر إليها من وجهة نظر عقائدية.

بالمعنى الديني للكلمة، لذلك انقسم الناس فيها إلى منتمٍ ناصرٍ لإيران، ومخالفٍ شامتٍ لما آلت إليه الأوضاع الإيرانية، ومردُّ ذلك إلى أصلٍ رئيس، يتمثل، كما أسلفنا، في النظر إلى ما يدور من صراع بعدِّه صراعاً عقائدياً، وهذا خللٌ كبيرٌ قد أدّى بصورةٍ رئيسةٍ إلى اتساع رقعة الخلاف في النظر إلى أوضاع الحرب بين مختلفٍ ومؤتلف.

وحقيقة الأمر، أن إيران لم تكن يوماً بصدد الدخول في حربٍ من أجل العقيدة الدينية، وإن كان هذا ادعاءها المستمر؛ فتقديم يد العيون إلى القواعد الشيعية في لبنان والعراق واليمن، وموقفها المساند لكلِّ من سوريا وفلسطين، لم يكن بحسابات عقائدية، بل بصدد إنشاء قواعد ساندة من جهة، ومزاحمة الخصوم من جهةٍ أخرى، وكانت إيران على حقٍ مبين حين ساهمت في بناء تلك القواعد، لأن المتابع للأحداث المتتالية منذ سنة، يجد أن إسرائيل لم تجرأ على المساس بالسيادة الإيرانية إلا بعد إضعاف وتضعيف الجبهات التي أرادت منها إيران أن تكون خطّ الصدّ والعون في حال إذا ما تعرضت للحرب. فبمجرد سقوط سوريا، وتملص العراق، وانهيار كل من لبنان وفلسطين، بادر الكيان الغاشم بقصف الأراضي الإيرانية وبشكلٍ سافرٍ ومعلن، لذلك فإن إيران كانت على حكمةٍ بالغةٍ في تمويل الجماعات الشيعية لغرض ردم الهوة التي يمكن للفراغ أن يخلقها فتتعرض مصالحها للتهديد المباشر كما نرى اليوم، وليس من أجل المشترك الشيعي فقط.

وللمتابع أيضاً أن يشهد ويعرف بأن إيران، مع مدّها للقواعد المذكورة، إلا أنها لم تتدخل بشكلٍ مباشرٍ في الحرب لصالح هذه القواعد، لانَّ الأمر لا يتعلق بالعقيدة الدينية، لا من قريبٍ ولا من بعيد، بل يدور في مجالات الدفاع عن العقيدة السيادية للوطن، فكان بالإمكان أن تقف إيران وتبادر في قصف إسرائيل في معركة الأخير ضد الشعب الفلسطيني، إلا أنها ليست بهذا الغباء، فإيران دولة ذات مقدرات كبيرة وذات سياسة خارجية ذكية، فليس لها أن تفتح على أراضيها جبهةً مباشرة للقصف الإسرائيلي، لغرض الدفاع عن القضية الفلسطينية وإعلاء راية الإسلام.

فإيران تقصف وتدمر وتسحق خصومها لسببٍ واحدٍ فقط، أن هنالك من يلّوح بقنابله على وحدته السيادية، وهذا هو الأمر المشروع، فما إن بادر الكيان المغتصب في قصف المواقع الإيرانية، إلا وانهالت الصواريخ المتطورة، تخسف الأرض بالكيان الغاصب، وقد أحسنت إيران كثيراً في ردع العدوان الصهيوني، فالحقيقة أنها الدولة الوحيدة التي كان بمقدورها أن تفتح جبهة مباشرة أمام الكيان المدعوم من أميركا، وتضع المسامير في عيون أعدائهم، وتقول أنا خير من يدافع عن سيادته وحرمة أراضيه.

وبهذا، وبالتحرر من المعنى العقائدي في النظر إلى نتائج الحرب وتقييمها، وبالعودة إلى المسار السيادي في التقييم، ليس لعاقلٍ أو من يحمل ذرةً من الضمير الحر، إلا ووقف مع إيران في وجه المتجبر الغاشم، فإيران وإن كانت تدافع عن نفسها بعتبة البسلاء الشجعان، إلا أنها تصدُّ بالنيابة عن كثير من الدول، حرباً تقودها إسرائيل مستقبلاً، وبعض النظر عن ذلك، وتنازلاً منّا عنه، تبقى إسرائيل هي العدو الأخبث بالنسبة للمشروع العربي والإسلامي، لذلك يجب أن نبقى فرحين مهللين، ونصفق واقفين للمنجز الإيراني في الدفاع عن سيادته وحدود دولته وسلامة أراضيه، وندعو أن تكلل هذه الجهود بانتصار باهر على قوى الظلام في الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى